في حديث نادر له.. المخرج أحمد فؤاد: لا أحد من الأطباء عرف مرض هالة

نشرت مجلة الكواكب حوار مع الفنانة المخرج أحمد فؤاد وابنته هالة فؤاد، تحت عنوان “اللقاء الأخير مع هالة فؤاد قبل انتهاء مشوار العذاب”، وقد جاء نص الحوار كالتالي:

المرة الأخيرة التى رأيت فيها النجمة الراحلة هالة فؤاد كانت منذ كانت عام واحد فقط، وعندما ذهبت لتقديم العزاء إلى النجمة الممثلة سهير البابلي بوفاة زوجها الراحل الجواهرجي أشرف السرجانى، وكانت هالة فؤاد تجلس فى صالون مجاور لصالون آخر جلست فيه مع النجمة الممثلة مديحة كامل، التى اعتزلت و تحجبت فيما بعد.

وكان حولها عدد من الفنانات وسيدات المجتمع، اللواتي جئن مثلها لتقديم العزاء إلى زميلتهن و صديقتهن الفنانة.

ويومها لم أرى وجه هالة فؤاد، لأنها كانت تسدل على وجهها نقابا سميكا، فقط سمعت صوتها، عندما جلست على أرض الصالون وأخذت تقى ما يشره محاضرة تحث فيها السيدات على العودة إلى طاعة الله، واتباع اصول الدين، و الإقلاع عن البهرجة.

إننى بعد ذلك بأيام، التقيت والدها المخرج المهذب الخلوق احمد فؤاد، فرويت له أنني رأيت ابنته هالة بالأمس، و احترمت ما فهمته عن رغبتها فى عدم تسجيل كلامها، أو نقله أو نشره، فقال لي، والدموع فى عينيه:
ربنا يشفيها !..

طبعا، قلبى معها، ولكن ماهي حالتها الآن.

فأجاب بصوت مختنق:

_ لا أحد من الأطباء يقول لي كلمة اطمئنان، إن الخطورة تزداد يوما بعد يوم.

قلت:
ولكن، ماذا قال لك الأطباء فى لندن عندما أخذتها إليهم.

فأجاب
_برضه ..

قلت له:

ومع ذلك، سلّم امرها الى الله، وحاول أن تهدئ أعصابك بقدر الإمكان لكي تستطيع رعايتها.

ولم يطل حزن أحمد فؤاد، لأنه رحل عن الدنيا والدموع فى عينيه على ابنته الشابه التقية، الطيبه، الرقيقة، والتى كانت حياتها القصيرة مليئه بالمآسي والأحداث الحزينة، ومع ذلك، فإنها كانت دائما تحاول التعالي على أحزانها وآلامها، والمضي فى حياتها دون أن تثير حزن من هم حولها !.

وكانت عند هالة فؤاد الشجاعة طوال العامين الذين كانت الآلام تشتد عليها فيهما لأن تواجه المرض الذى كانت على علم بخطورته، وتعرف أنه لن يمهلها طويلا، وكانت بين الحين والآخر تكتب وصيتها، ويبدو من كل ما تكتبه أنه لا شئ فى الدنيا يهمها سوى ولديها.

ولقد عدت إلى اوراقي السابقة، ووجدت فيها أكثر من لقاء مع هالة فؤاد.

وكانت ما زالت فى بدء إطلالتها الحلوة على الحياة الفنية منذ سبع سنوات، ورأيت أنها تلقى أضواء على شخصية الفتاة التى انتهى مشوار عذابها فى الأسبوع الماضي وهى فى غرفة الإنعاش بمستشفى “الصفى”

إننى رأيت هالة فؤاد لأول مرة منذ عشر سنوات، وكان ذلك فى صبيحة يوم كنت أتناول فيه القهوة مع والدها المخرج أحمد فؤاد، فى كافيتيريا ” عروس النيل ” بفندق شيراتون القاهرة
و طلت علينا فجأة شابة حلوة ناعمة، ناولت ملفا سميكا لأحمد فؤاد وقالت له

_بابا ، أنا خلاص قرأت السيناريو كله.

فسألتها
و عجبك؟

فأجابت :
_حلو، بس عاوز شوية تصليح..

وتنبه أحمد فؤاد إلى أننى لا اعرف ابنته فقدمها إليّ قائلا:
بنتى هالة !!.

وقلت له:
_ ماشاء الله ، العيال كبرت.

فضحك وقال:
وكمان بتساعدني فى قراءة السيناريوهات، والحكم عليها، وهي كما تعلم خريجة جامعه !.

وقلت له:
_ الآن، وعندما رأيت ابنتك، تأكدت من صحة المثل القائل بأن زامر الحي لا يطرب، وإلا فهل تفسر لي ياحضرة المخرج العظيم معنى تجاهلك لمؤهلات ابنتك و جدارتها لأن تكون نجمة سينمائيه لامعة !!.

ولمحت يومها علامات الرضى على وجه هالة فؤاد، بل إنها كانت صريحة وقالت لى:

_شفت يا أستاذ بديع، هوه عاوز يعمل كل بنت نجمة سينما ما عدا ابنته !!.

وجلست الشابه الرقيقة معنا، وكان الحديث كله عنها، وعن السبب الذى يجعل والدها يتردد فى أن يقدمها كنجمة سينمائية، وهو سبب بدا لى مقنعا بعض الشئ.

فإن تقديمه لها فى أفلامه ربما لا يكون فى مصلحتها، لأن ذلك قد يجعلها تحمل لقب نجمة عائلية !

_ على أي حال، أنا شخصيا لن أقف فى وجه هالة إذا ارادت أن تمثل فى السينما إلا أنني أفضل أن تكون خطوتها الأولى فى فيلم ليس من إخراجي !!.

و ابتسمت هالة فؤاد برقة بالغة وقالت له:

_ إما ان أكون ممثلة، أو تتركني أعمل صحفية مثل جدتي.

وسألتها بدهشة:
جدتك ؟؟ كانت صحفيه ؟؟

_ ايوه ، وهي السيدة تفيده علاّم، وكانت رئيسة جمعية الشابات المصريات، ورئيسة تحرير مجلة تحمل نفس اسم الجمعية، وكانت أيضاً تكتب فى “الأهرام” وتحل مشاكل الشباب والبنات، وهى أول سيدة مصرية كانت تلقى محاضرات فى الإذاعة.

وهنا التفت إلى أحمد فراد وقلت له:
إذن، السيدة والدتك كانت شبه عيمة نسائية، فكيف وجهتك نحو السينما؟!

فقال :
_ هى لم توجهني، ولكنها كانت السبب .

وسألته:
كيف ؟
وروي لي أن السيدة والدته كانت كثيرا ما تظهر على الشاشة السينمائية فى أخبار “جريدة مصر الناطقة “وكانت العائلة، وهو معها تذهب إلى دور السينما لمشاهدتها وهى تخطب فى المؤتمرات النسائية، وطبعا، كانوا يشاهدون أيضاً الفيلم المعروض مع الأخبار، ومن هنا بدأت هواية أحمد فؤاد للسينما.

وسألته يومها: ولكن والدك ماذا كان عمله؟ أجاب ـ كان عنده مدارس خاصة.

سألته: وهل هو مصرى الأصل؟

أجاب: ـ يجوز أن جد جد جدى كان تركيا، وأنا وجدت فعلا اسما تركيا فى بداية شجرة العائلة، ولكن والدتى مصرية أبا عن جد.

قلت هل كان والدك متفرغا لعمله فى مدارس الخاصة؟

فأجاب المخرج أحمد فؤاد : ـ إن والدي محمد توفيق كان رجلا صالحا، وقد توفى فى الثامنة والثلاثين من عمره، وكانت والدتي ما زالت فى التاسعة والعشرين، وقد قيل يومها أن والدي مات متأثرا من أزمة نفسية بعد ما اختلف مع رئيسى الوزراء فى ذلك الحين: المرحومين: أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى.

سألته: ( ليه؟ وهل كان رجلا سياسيا؟

فأجاب :آه أنه كان سياسيا مستقلا، وكانت له الصفة القيادية أيضاً فى العمل السياسى، وكان دائما على خلاف مع النقراشي، ومع أحمد ماهر، ومازلت أذكر كيف كان والدي يصحبني، وكنت مازلت صغيرا، إلى بيوت جميع السياسيين، وأيضاً إلى بيوت كبار الأذكياء،

وما زلت أذكر جلسات طويلة لوالدي مع الشاعر الراحل ابراهيم ناجى مؤلف قصيدة ( الأطلال).

وكان والدي قد سمى أحد أشقائي باسم إبراهيم ناجي، تعبيرا عن صداقته الشديدة له.

وسألت المخرج أحمد فؤاد وابنه الشابة النجمة هالة تستمع إليه وهو يروي تاريخ العائلة.

ولكن، هل إن والدك ورث حب السياسة عن والده مثلا؟

أجاب
ـ آه طبعا، إن جدى لوالدي كان من السياسيين البارزين، وكان من المقربين إلى الخديوى عباس باشا، وقد حدث مرة ان ادى جدى فريضة الحج، ثم عاد إلى مصر، فجاء الخديوى لزيارته فى البيت، ثم أوقف له أرضا، أى منحه إياها.

وأمر ببناء مسجد فيها ولأن أولاد جدي كانوا مازالوا صغارا فإنه أوصى بأن تكون الأرض هذه وقفا عاما حتى لا يأخذها أحد منهم عندما يكبرون، ولكن حدث بعد ذلك بسنوات أن تولى السلطان فؤاد العرش، ووجد هذه الأرض وقفا وليست مسجلة باسم أحد، فاستولى عليها، بحجة أن جدى لم يدفع ثمنها.

قلت
ـ إذن طارت الأرض؟؟ فأجاب :

ـ لا، إن والدي و أعمامي رفعوا عندئذ قضية أمام المحكمة واستطاعوا استرداد الأرض.

وأتابع الحديث عن الأسرة التى انجبت فى النهاية مخرجا سينمائيا كبيرا، ونجمة سينمائية لامعة و أسال أحمد فؤاد

وماذا حصل لمدارس والدك بعد وفاته؟

فيجيب ـ كنا مازلنا ـ أنا و أشقائي ـ صغارا.

قلت كم شقيق عندك ؟

فأجابت هالة فؤاد نيابة عنه: ـ أعمامي هم: محمد صلاح الدين محمد توفيق، وكان صحفيا وعضوا فى مجلس الشعب، وعمى نبيل توفيق، وهو الآن فى أميركا، وعمى توفيق محمد توفيق، وكان مدير التوزيع فى شركة (هيمن فيلم) وعمى الذى سمى [ ( أحمد فؤاد ) وليس اسم توفيق: والتفت من جديد إلى أحمد فؤاد

وسألته: والمدارس التى أنشأها والدك ماذا حل بها؟

أجاب إن والدتي كانت فى حياة والدي مديرة لهذه المدارس، وظلت تديرها بعد وفاته أيضا، ولكنها من شدة حزنها عليه، أصيبت بالشلل، وعندما تحسنت حالتها لم تعد تقدر إلا على كتابة المقالات وبيعت جميع المدارس.

وهل كنت تتمنى أن تكون صحفيا مثل والدتك؟

أجاب: أيوه، ولكن لم تسمح لى الظروف لتحقيق هذه الأمنية.

وهل كنت تفضل أن ترث ابنتك هالة عن جدتها مهنة الصحافة؟

فقال لا لا أريد لها أن تكون ممثلة، ولا صحفية، لأن مهنة أصعب من الثانية.

وهنا التفت إلى هالة فؤاد وقلت لها : كما عرفت، فإن جدتك الأديبة والصحفية السيدة تفيدة علام توفيت فى عام 1964، فهل عرفتها ؟

أجابت: كانت تعيش معنا، وكنت متقدمة فى دراسة اللغة العربية بفضل مساعدتها لي فى المذاكرة، وأحياناً كانت، رحمها الله، تفتح أمامي صفحات مجلة (الشابات المصريات) التى كانت هى رئيسة تحريرها، أو تتفرج على صور ممثلات فى سنها، وتشير إلى واحدة منهن، وتقول إنها كانت أجمل منهن.

إن خمس سنوات مرت على أول لقاء بينى وبين هالة فؤاد، ولم تكن قد أصبحت بعد ممثلة، ولكن، وعندما جالستها للمرة الثانية، وأيضاً فى فندق (شيراتون القاهرة) فإن أشياء كثيرة كانت قد تغيرت فى حياتها.

إن هالة فؤاد جاءت إلى كافيتيريا (عروس النيل) فى المرة الثانية وهى تحمل ابنها الصغير هيثم، وكانت قادمة لتوها من لندن، حيث بقيت إلى جانب النجم أحمد زكى، الذى كان يعالج من أزمة صحية فى مستشفى (لندن كلينيك) بالرغم من أنها كانت مطلقة منه، ولكنها لم تنس لا العيش والملح، ولا أنه والد ابنها.

ويومها أردت أن أسألها عن سبب الطلاق الذى حدث بينها وبين أحمد زكى، فلم يزد ردها عن كلمتين اثنين قفط هما (قسمة ونصيب).

والذى كان قد تغير أيضا بعد أول لقاء لي مع هالة فؤاد، هو أنها استطاعت بعد محاولات كثيرة إقناع والدها بالسماح لها بأن تمثل، ولكنه اشترط أن لا يكون من إخراجه أول فيلم تمثله، حتى لا يقال بأنه (يفرض) ابنته على الشاشة.

وهكذا فإن الشابة الرقيقة ما إن تخرجت من كلية التجارة فى عام 1980، ونالت البكالوريوس فى إدارة الأعمال، حتى دخلت المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت منه أيضاً وهى تحمل البكالوريوس.

وفى هذه الفترة مثلت من إخراج عاطف سالم دور البطولة فى فيلم (عاصفة من الدموع) ونجحت فيه إلى حد كبير، وتوالت الأفلام التى مثلتها إلى أن اقتنع والدها بأن يخرج فيلما من بطولتها بعدما تاكدت نجوميتها، بل وبات المنتجون يطلبون منه أفلاما من بطولتها.

وكان اسم الفيلم: ( بيت القاصرات): ولكن، عندما أتم أحمد فؤاد كل الاستعدادات لإخراج أول فيلم له من بطولة ابنته، جاءت إليه معتذرة عن عدم استطاعتها تمثيل الفيلم.

إنها كانت قد عقدت خطوبتها على النجم أحمد ذكى، ووافقته على طلبه باعتزال التمثيل، وفضلت أن تكون المرأة التى تقف وراء زوجها لتدفعه إلى النجاح، لا أن تبحث عن النجاح لنفسها.

ولم يستطع الوالد أن يعارض ما اختارته ابنته لنفسها !.

ويومها، وعندما شعرت بحيرة والدها المأزق الذى وجد نفسه فيه، فإنها قالت له:
أنا ارشح لك بطلة يابابا ؟
وسألها
_ مين ؟

فأجابته :
صديقتي سماح أنور .!
وفعلا، أسند أحمد فؤاد دور البطولة فى فيلم :”بيت القاصرات ” إلى سماح انور ، وكانت مازالت بعد ممثلة ناشئة،وأصبحت بطلة سينمائية.

وكانت هالة فؤاد فى تلك الفترة لا تتطلع إلى خارج منزلها، ولا تستهويها الشهرة فقط، كانت تحاول أن تسعد نفسها كوجه وست بيت.

 

 

 

اقرأ أيضاً..تحية كاريوكا تنقذ رجلا وولديه من الغرق

في حوار نادر لها.. أم كلثوم تكشف كواليس زيارتها إلى لبنان