عبد الفتاح القصري يكتب..البلدى يوكل

 

نشرت مجلة الكواكب مقالا صحفياً للفنان عبد الفتاح القصري بعنوان البادي يوكل.

وقد جاء نص المقال كالتالي:

لقد أصبحت كل بلدى .. رغم اننى (أفندى) خارج الشاشة (وأفندي) قبل أن أظهر على الشاشة ـ يعنى أفندى من منازلهم ـ ولكن الأدوار التى عشت فيها حياتى الفنية انتقلت إلى لغتي.

ومع أنني لم أتحرر من البدلة التى ألبسها، فإن أولاد البلد أصروا فى أكثر من مناسبة على انتى (بلدى) ببدلة: ذهبت ذات مرة من (المرارير) لازور بعض أقاربي فى الزيتون، ولم أكن أعرف البيت الا (بالويم) فجعلت أطوف فى الشوارع حتى وجدتى أمام باب سينما الزيتون، واذ ذاك اندفع أصحاب السينما نحوي وأمسكوا بى.

ورأسهم وألف سيف ألا أتفرج عندهم وكنت مشغولا، ولكن نزولا على ارداتهم دخلت، وكانت الرواية قد بدأت فجلست على مقعد، وحين أضئت الأنوار فى الاستراحة رآنى بعض أولاد البلد فجعلوا ينادوننى (و محسوبك مكسوف) وتقدم منى واحد منهم.

وقال : ـ أنت فاكر حضرتك تقدر تيلفنا .. جاى لابس أفندى و متخفي وضحكت لأن هذا لم يكن يخطر لى على بال، فقال: (كده والا لا ؟ فأجبته بلهجة السينما: كده وألف كده .. وأنت واد كلك مفهومية: ولم ينقذنى الا أصحاب السينما الذين وصلوا ليؤكدوا ترحيبهم بى: وأولاد البلد عند من يعرفهم أصحاب نخوة واقدام وشهامة، لا يفترون على ضعيف، ولا يتجدعنون فى حتتهم ) بل يثيحون لك ـ اذا كان لمة معركة ـ كل وسائل الدفاع عن نفسك.

فإن دافعت جيدا صرت صديقا، أو عدوا إلى الأبد.. وإن لم تدافع (أكلتها) كما لم يأكلها الأولون والآخرون ” ذات مرة كنت أزور صديقا لي فى أحد الأحياء البلدية، و اندفعت بسيارتي فى طريق من الطرقات، وقفز إلى عرض الطريق طفل على حين غرة فلمسته السيارة لمسا خفيفا، ولكن الملعون صاح وتجمهر الناس فى ثانية فوقفت لان معنى الزوغان أن لا استطيع الذهاب إلى هناك مرة أخرى، وكانت العصا والسكاكين قد أسرعت، وزحفت ندر القتال على الوجوه..وتقدم أحدهم وأمسكنى من رقبتي.

وقال: (تعالى شوف عمى عينك، عاوز تموت لنا الواد وهو حيلة أمه..) ولكنى قذفت بيد الرجل بعيدا عن رقبتى وصحت فيه: (أوعى ايدك والا وحياة الحسين أقطع رقبتك .. أنت فاكرنى ايه يا واد.. خواجه؟.

وأرتجع على (الواد) فاستأنفت قولى: (نشوف الحكاية .. وأن كنت محقوق يبقى ابنكم فداه رقبتى: وأمن العقلاء على ما قلت .. ووقفوا يشرحون الحادثة ويحللونها ..إلى أن أستخلصوا أن الواد (مقطوم الرقبة) هو العايب وإذ ذاك أصروا على أن أشرب القهوة ، وان أصطلح مع الذى أمسكنى من رقبتي.. وتصالحنا..ولا تكاد تمر عربتى من هذا الحى حتى أسمعه يصيح من دكانه: (يانهار على (العروسة واللى راكبها) والعروسة هى السيارة كما يعلم القراء.

وعندما توفى المرحوم الأستاذ بشارة واكيم ذهبت الى شبرا لأشترك فى تشيع، وخشية الزحام جلست فى السيارة حتى يبدا موكب الجنازة ، ورأيت بعض أولاد البلد من الرجال يقفون على الرصيف و يتهامون ثم علا الهمس وسمعت انهم يتراهنون على شئ معين.

وفجأة أحدهم نحوي وفتح باب السيارة ، ثم عانقني و قبلني وهو يقول ازيك يابني يا عبدالفتاح ثم نظر لزملائه وقال: ياه فاكرين إن ابن أخويا ينسى فضلى .. دانا صارف عليه دم قلبى: وفهمت انه يوهمهم بأنني ابن أخيه.. وقد رفضوا هم تصديق ذلك عندما رأوني البس البدلة .. فحبك الرجل تمثيليتة البارعة.

ووجدت نفسى محرجا فقلت له: (مش وقته يا عمى ..احنا جايين نؤدي واجب: وكانت هذه الطريقة الوحيدة للتخلص منه.. فانصرف راضيا وهو يقول ربنا ينصرك يا ابن أخويا) وهكذا أعيش مع (البلد) على الشاشة وعلى الطبيعة.. وأنا مسرور.

 

 

 

اقرأ أيضاً..أحمد فرحات يكتب : شبيه زماننا

مفتي الجمهورية يدين بشدة تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بوجود مبرِّر أخلاقي لتجويع الفلسطينيين