رحل وعاشت ذكراه..مواقف من حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب قبل وفاته

نشرت مجلة الموعد في أحد أعدادها حوارا صحفيا عن الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد وفاته، وجاء في مقدمة الحوار الحديث عن غياب عود عبد الوهاب في مأتمه، بالإضافة إلى وصف أجواء العزاء.

وقد تساءل الكثيرون عن سبب غياب عود الموسيقار محمد عبد الوهاب عن مأتمه، خصوصا وان جنازته كانت على قدر كبير من النظام والتنظيم بسبب الصفة العسكرية التى اعطيت لها تكريما للموسيقار الراحل.

وقال كبار من أهل الادب والثقافة أن عود الموسيقار محمد عبدالوهاب كان يجب ان يكون فى مقدمة جنازته وقيل الاوسمة والنياشين ، لانه يرمز الى عبقرية الموسيقار الذى انطق هذا العود الروائع التى ملا بها دنيا العرب فنا وطربا .. وكان معروفا عن الموسيقار محمد عبدالوهاب انه كان يصحب عوده فا كل رحلة يقوم بها الى خارج مصر.

وكان قد بدأ الصيف الماضى فى تسجيل خواطره الموسيقية على جهاز كاسيت كان يحمله معه ويضعه أمام العود والآن هناك اتجاه إلى إقامة حفلة تأبين كبرى فى القاهرة للموسيقار الراحل تدعى إليها وفود من جميع الدول العربية فقد وضع فى مقدمة الملاحظات تعويض التقصير نحو عود الموسيقار، بوضعه فى مكان بارز من المسرح الذى سيقف عليه الخطباء الذين قد يكونون من كبار رجال الأدب والثقافة العرب.

منعت نهلة القدسي دخول المصورين إلى بيتها

ظل بيت الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مفتوحا طوال أيام الأسبوع لاستقبال المعزين و المعزيات.

وكانت أرملته السيدة نهلة القدسى تحاول تمالك نفسها والتغلب على أحزانها، واستقبال العدد الكبير من المعزيين، و المعزيات الذين توافدوا إلى بيتها ومن اللحظة الأولى منعت السيدة نهلة القدسي دخول المصورين إلى بيتها والتقاط أى صورة لها أو لأى من المعزيات داخل البيت وقالت أن الحزن الذى يملأ البيت ليس بحاجة إلى دعاية إعلامية كما أنها رفضت التحدث إلى أى إذاعة أو صحيفة أو تلفزيون، وكانت الدموع التى تملا عينيها طوال النهار والليل أبلغ من أى كلام يمكن أن نقوله وكان يشترك مع نهلة القدسي فى استقبال المعزين و المعزيات، ولدا الموسيقار محمد وأحمد عبدالوهاب وبناته عائشة عصمت وعفت اللواتى كان الموسيقار يدللهن بأسماء اش اش فتفت، تمتم.

حديث نهلة القدسي عن الموسيقار محمد عبد الوهاب 

وأبرز ما قالته السيدة نهلة القدسي أنها منذ عادت إلى القاهرة من باريس مع زوجها الموسيقار فى أواخر ايلول سبتمبر، الماضى لم تتركه أو يتركها لحظة واحدة، وأن قلبها كان يحدثها بأن 1919 لن تمر على خير.

هل صنع خوف عبد الوهاب الأزمة القلبية التى أودت بحياته؟

وصلت إلى بيتي فى القاهرة قادمة من رحلة أسبوع واحد بين لندن وباريس، فى الساعة الواحدة والنصف من بعد منتصف الليل، وما كدت افتح الباب حتى سمعت جرس التلفون يرن فأسرعت للرد عليه وأنا فى دهشة فمن هو الذى عرف أننى سأصل إلى البيت فى هذه اللحظة، وسمعت صوت المطربة التونسية الشابة لطيفة من خلال نقوب السماعة وهى تسالني.

صحيح الخير اللى سمعته دلوقت ؟ فسألتها بدورى : ـ أى خبر ؟ فأجابت لقد قيل لى الان و بالتليفون، أن الأستاذ محمد عبدالوهاب قد توفى .. وصرخت مذعورا.

ـ أعوذ بالله من قال هذا الخبر ؟ فأجابت: صديقات لي قلن أنهن سمعناه الآن من التلفزيون قلت: سأتحقق الأمر : وبالفعل ، أجريت اتصالات ببعض الزملاء فى عدة دور صحيفة فتاكد لى ان الخبر الحزين .. صحيح ، وان عبد الوهاب الذى ظللت اسمع صوته فى التلفون الى ما قبل ساعات من سفرى. قد رحل، وان الشخصية الاسطورية التى الهبت خيالى وخيال الملايين منذ أربعة اجيال قد انتهت ، وان الوهم الذى صنعه لنا الحب بأن عبد الوهاب لن يرحل، كان وهما بالفعل: أن المذيع النجم حكمت وهبى كان قد استضافنى قبل اربع وعشرين ساعة من مغادرتى باريس فى برنامج يقدمة على الهواء فى اذاعة الشرق .. وذكرت له الحديث اننى عرفت وانا فى لندن ، ومن اتصال تليفوني لي مع القاهرة ان الموسيقار محمد عبد الوهاب قد تعثرت قدمه ووقع على الارض وهو يتمشى فى صالون منزله ، وقد اجريت له اكثر من اشعة وتأكد الاطباء من ان وقوعه على الارض لم يلحق أى أذى بمخه أو رأسه، وإن كان قد أصابه بكدمات فى ظهره ما زالت تؤلمه.

واشترك حكمت وهبى معى فى توجيه التمنيات عبر الأثير بالصحة والسلامة وطول العمر إلى الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، لأننا لم نكن نتخيل حياة من غير فنه وإبداعه.

وصحيح أن ما نشر وقيل عن نتيجة التحليلات وصور الأشعة التى اجريت للموسيقار الكبير بعد وقوعه على الأرض فى بيته قد أشاعت الاطمئنان عليه فى قلب زوجته السيدة نهلة، وقلوب محبيه وأصدقائه، وفى قلبي وأنا فى الطائرة العائدة بى إلى القاهرة بالخوف على قلب الموسيقار الكبير من الهلع الذى يمكن ان يكون قد أصابه عندما شعر بنفسه يهوى على الأرض.

قصة الرجل الأسمر الذي ضرب الموسيقار عبد الوهاب

ولاحت لى صورة الطبيب الراحل الدكتور عوض ابراهيم عوض الذى كان من أكبر واشهر أطباء القلب فى مصر، كما كان الطبيب الخاص للموسيقار محمد عبدالوهاب، وتذكرت حكاية عنه وعن الموسيقار الراحل.

ففى أحد أيام عام 1960 كان الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب داخلا إلى بيته فى الزمالك، ووقف بانتظار الاسانسير، فاقترب منه شاب اسمر وقال له، سعيدة يا أستاذ عبد الوهاب فالتفت إليه الموسيقار و أجابه ـ اهلا وسهلا ، مين حضرتك يا استاذ فأجابه.

يعنى مش عارفنى؟
فقال عبدالوهاب ـ مش فاكر فرد عليه الرجل الاسمر ـ مش فاكر أحمد فرج اللي صنع لك مجدك؟

انت مش فاكر أنى أنا اللي عملت لك كل ألحانك؟

وعلى الفور أدرك الموسيقار، أنه أمام مجنون، فحاول الابتعاد عنه، إلا أن الرجل الأسمر لحق به و انهال على رأسه بقطعة من الفخار كان يخفيها داخل قميصة.

وفى لحظات قليلة تدفق الدم من رأس عبدالوهاب.

وفتح باب الاسانسير، ونزل منه سائق أحد سكان العمارة فسارع إلى انقاذ الموسيقار من بين يدى المجنون الاسمر.

حوار مع الدكتور عوض إبراهيم

إن الحادث متشعب التفاصيل، ولكن الذى أذكره أن الدكتور عوض ابراهيم عوض كان بعد ثمان وأربعين ساعة فقط قد اطمأن إلى أن المجنون الاسمر لم يسبب جروحا خطيرة للموسيقار الكبير، إلا أنه مع ذلك حرص على أن يبقى قلبه تحت المراقبة لمدة اسبوعين.

وعندما سئل عن السبب أجاب ـ لأنني أعرف أن الأستاذ خواف، واخشى أن يكون خوفه من المجنون قد ادى الى اضطراب ما فى قلبه، إن محمد عبدالوهاب كان يومها فى الستين من عمره.

وبعد ثلاثين سنه تكرر الموقف نفسه وفرضت المراقبه على قلبه.

ولكن الطبيب المراقب هذه المرة كان ابن الدكتور عوض ابراهيم عوض، وهو الطبيب الشاب عماد عوض، الذى أخذ عن والده الراحل مهمة الطبيب الخاص للموسيقار محمد عبدالوهاب وكان عماد عوض هو الطبيب الذى وقع شهادة وفاة الموسيقار محمد عبدالوهاب عن عمر اختلف الرأى حوله وان كان قد ذكر فى الشهادة أن الموسيقار من مواليد الثالث عشر من مارس، أذار 1910 وهو تاريخ مأخوذ عن البطاقة الشخصية للفقيد الكبير وكان عندى، فضول لمعرفة رأى الطب فى احتمال أن يكون الفزع الذى ظل مسيطرا على محمد عبدالوهاب بعد وقوعه على الأرض فى صالون منزله هو الذى أوصله إلى الأزمة القلبية التى أودت بحياته.

حوار الدكتور عماد إبراهيم عوض

و انسياقا مع هذا الفضول زرت الطبيب الشاب فى عيادته التى هى نفس العيادة التى كانت لوالده الراحل، وتشاركه فيها شقيقة الدكتورة عفت:

وسألت الدكتور عماد عوض ـ

متى بدأت علاقتك بالموسيقار محمد عبدالوهاب؟

فأجاب ـ إن والدي كان مازال طبيبا شابا فى أوائل الخمسينات عندما تعرف بالأستاذ محمد عبدالوهاب وأصبح طبيبه الخاص للقلب والأمراض الباطنية وإن كان فى نفس الوقت الطبيب المتابع لكل حالات الموسيقار الكبير بحيث أنه لم يكن يأخذ أي جرعة دواء أو أى قرص طبى الا بعد سؤاله

وأنت ؟ ماذا عن علاقتك بالموسيقار؟

أجاب ـ قبل أن أصبح طبيبا كنت على امتداد سبع سنوات مساعدا لوالدي وكان يرسلني لبعض الحالات التى توجب الاستعجال وكان يرسلني إلى الأستاذ محمد عبدالوهاب، باعتبار أننى كنت شابا وقادرا على التحرك والتنقل بسرعة وأذكر أنني اغضبت الموسيقار الراحل في أحد الأيام

وأكمل الطبيب الشاب ـ ذهبت مرة إلى الأستاذ محمد عبدالوهاب لاقيس له الضغط ووجدت أن ضغطه عال بنسبة بسيطة، ولأنني كنت طبيبا شابا ومندفعا ومتصورا ان الحقائق يجب ان تقال للمريض حتى ياخذ باله من نفسه، فقد صارحت الموسيقار بأن ضغطه عالي قليلا.

فتضايق واعتبر ذلك تخويفا له ، بل قال لي عدة مرات و باللفظ الواحد ( أنت بتخوفنى )

وبعدين؟

إن والدى قال لى بعد ذلك محذرا وناصحا أن الأستاذ عبدالوهاب ضغطه دائما مضبوط أى 145 % 90 ولا يقال له غير ذلك ولو أنك وجدت أن الضغط عالي بعض الشئ فيجب أن تخبر زوجته السيدة نهلة بذلك وهى التى تتولى تمرير العلاج له،

منذ متى أصبحت وحدك طبيب الأستاذ؟

فأجاب عندما توفى والدى، وقد مضى الآن ما يقارب العامين على تسلمي مسؤوليلتي كطبيب خاص للأستاذ محمد عبد الوهاب، ولم اكتشف فيه أى أشياء جديدة لم أكن اعرفها من قبل وإن كنت متاكدا من أن الموسيقار الراحل كان لا يثق الا بطبيب واحد فى حياته وهو والدي الكتور عوض إبراهيم عوض، وهذا شئ لم يضايقني ابدا.

هل كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يشكو من أى مرض؟

كان رحمه الله يصاب بالقلق من أى شئ ولو كان بسيطا وكان أكثر ما يقلقه القولون العصبى فى معدته، الدكتور عماد عوض يؤكد بأن عبد الوهاب توفى فى أقل من دقيقتين ولم يقل سوى كلمتى أنا تعبان.
والذى كان يصيبه بآلام تستمر أحياناً عدة أيام وكانت هذه الآلام تقلقني.

هل صحيح ما كتب من أن الموسيقار الراحل كان منذ أيام شبابه يعيش بكلية واحدة؟

هذا ليس صحيحا على الإطلاق

وكيف كانت حالته الصحية؟

كانت صحة الأستاذ محمد عبدالوهاب من كافة النواحي أكثر من ممتازة وحتى قبل ساعة واحدة من وفاته.

هل أن النظام الذى كان يتبعه عبدالوهاب فى الأكل والشرب والنوم وكل نواحي الحياة، هل كان هذا النظام مفيدا له؟

كان مفيدا جدا لأنه نظام صحي مائة بالمائة، وقد جسده معبدا لا يدخله إلا الشئ السليم، وغير القابل للخطأ، وأنا مؤمن بأن الأعمار بيد الله، ولا أقول ابدا بأن النظام الذى اتبعه الأستاذ الكبير كان بأنه كان سببا فى أن يعيش سلميا ومعافى وبعيدا عن الشيخوخة.

حتى ساعة وفاته وفى التسعين من عمره كما اعتقد.

كما أن درجة التركيز فى تفكيره كانت بنسبة مائه بالمائه، وكان رحمه الله على قدر كبير من الذكاء والثقافة.

وهل كان يشعر بالاطمئنان عندما يكون الى جانبه طبيب؟

هو كان يطمئن إلى وجود أشخاص يستريح إليهم.

وعلى أى حال فإن أى مريض لابد وأن يرتاح إلى طبيبه وإلا فلن يقدر الطبيب على معالجته.

هل الأستاذ محمد عبدالوهاب شكا فى أى يوم من عارض فى قلبه؟

ابدا لم يحدث هذا فى أى يوم وما كان يشكو منه الأستاذ عبدالوهاب صحيا ثلاث أشياء فقط ارتفاع طفيف فى ضغط الدم، وكنا نعالجه بالدواء، والقولون العصبى، وكان يعالج بشكل جيدا وأخيراً كان عنده مشكلة معينه فى شرايين عينيه أدت إلى ضعف فى نظره فى السنوات السبع الأخيرة يعنى وباختصار، لم يكن هناك أى شئ يصل إلى درجة الخطورة.

وهنا وصلت إلى اليوم الحزين عما حصل فيه؟

قبل هذا اليوم بأسبوع، أى فى يوم الجمعة 26 أبريل، نيسان، 1991 وعند الساعة الثانية وعشرين دقيقة اتصل بي الأستاذ محمد عبدالوهاب فلم أكن موجودا فى البيت أو العيادة ثم اتصل بالدكتور تحسين الحديدي وايضا لم يجده وفى النهاية عثر على الدكتور سيد الجندى وروى له أنه وقع على الأرض بشدة واتخبطت فى دماغى وضهرى متألم منه جدا فنصحه الزميل الطبيب بالتوجه فورا إلى مستشفى مصر الدولى لإجراء أشعة مقطعية على المخ، لأن أى خبطة على الدماغ تثير القلق بالنسبة لرجل فى التسعين من عمره والأشعة المقطعية تعني أخذ الأشعة إلى مراحل لكل أجزاء المخ.

و ماذا كانت النتيجة؟

ظهر من صور الأشعة أن الرأس سليمة تماما، وأيضا ظهر فى التصوير أن كل شئ عنده سليم وخصوصا ظهره و قدماه.

ولكنه كان يتألم من بعض الرضوض فى ظهره وظل الدكتور تحسين الحديدى وهو من أحسن أطباء العالم لأمراض الروماتيزم يزوره كل يوم وكنت أزوره أنا أيضا وكذلك الدكتور منصور فايز.

وهل انتهى الأمر عند هذا الحد؟

إلى حد ما، لأن تحمل جسم رجل فى التسعين للألم يختلف عن تحمل شاب فى العشرين له، وقد أثار استمرار آلام الظهر قلقى وقلق الأستاذ عبد الوهاب.

فقلنا نعمل أشعة ثانية وبالعمل جئنا بجهاز تصوير الأشعة إلى بيت الموسيقار بالزمالك وكان ذلك يوم الأحد فى 28 ـ 4 ـ 1991 واتصلت بالدكتور حسين عبدالفتاح، أخصائي العظام الشهير فى مصر.

فجاء، وكيف على الموسيقار وأكد أن كل شئ عنده سليم ولا شئ هناك غير كدمات بسيطة.

ولكن ومع ذلك فقد كانت الأوجاع فى الظهر مستمرة وكانت تخف أحياناً ثم تشتد، وقد عاد إلى رياضة المشى إلا أنه لم يكن يمشي لمدة طويلة، وكنت ازوه كل يوم واقضي عنده ساعة واحدة فى الليل.

واحيانا اكشف عليه للاطمئنان فقط وهنا اؤكد أن وقوعه على الأرض ليس له علاقة من الناحية العلمية والطبية بوفاته، وكانت حالته الصحية، بالرغم من آلام ظهره، طبعية جدا، وهو لم يكن ابدا يتحدث عن خوفه من الموت، ولم يفارقه لحظة واحدة حبه للحياة، ولكن الاكتئاب كان يلازمه.

وماذا عن آخر ليلة؟

مساء الجمعة فى الثالث من مايو، دخلت إلى بيت الموسيقار محمد عبدالوهاب فى الساعة العاشرة تماما ووجدته يتناول طعام العشاء الؤلف من كوسا مسلوقه وصدر فرخة وطبق من الخشاف فى غرفة نوم زوجته السيدة نهلة.

وكانت هى التى تطعمه بيدها وبعدها تناول الطعام أخذت ضغطة فوجدته ساعتها 145 % 90 وهذا شئ أكثر من رائع بالنسبة لرجل فى التسعين من عمره وسرعة النبض 75 وضربات القلب منتظمة تماما وصدره فى حالة جيدة ولم يكن هناك سوى الألم الحاد فى ظهره وبعد ذلك سألته عاوز حاجة ياأستاذ.

فقال لي لأول مرة تصبح على خير يا دكتور عماد.

وكان دائما يودعنى بقوله تصبح على خير يا حبيبى , وأيضاً لم يوصلني إلى الباب الخارجي للشقة ليثبت لي أنه ينفذ تعليماتي ويمشي عليها.

وفى الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق سألت السيدة نهلة عني بالتليفون فى البيت وقالت لشقيقتي أن الأستاذ عبدالوهاب تعبان فردت عليها قائلة خذيه إلى مستشفى مصر الدولي إلى أن أجد عماد ودخلت البيت بعد هذه المكالمة بخمس دقائق.

فهرعت من بيتى فى الجيزة إلى بيت الأستاذ عبدالوهاب فى الزمالك وكنت أقود سيارتي بسرعة 130 كيلو مترا، ولكن عندما وصلت كان الأستاذ عبدالوهاب قد توفى فقد أصيب فجأة بهبوط حاد فى القلب والدورة الدموية استغرق اقل من دقيقتين.

ومات الأستاذ بلا أى ألم أو عذاب.

والأزمة القلبية التى أودت به هكذا تجيء فجأة وبلا إنذار؟

فى أغلب الأحيان لا يكون لها أى دلائل أو مقدمات وما من مرة على مدى أربعين سنه دل أى رسم للقلب على وجود شئ ما فى قلب الاستاذ الكبير، قد جاء و موعده مع الموت قد حان و الأعمار بيد الله.

هل صحيح أنه فقد النطق قبل الوفاة؟

أكرر وأذكر أنه فى خلال أقل من دقيقتين لم تسمع منه زوجته السيدة نهلة سوى كلمتين فقط هما أنا تعبان ثم لفظ الروح.

وكتبت له شهادة الوفاة؟

قبل نقل جثمانه من البيت طلبت إلى الأستاذ احمد فؤاد حسن ومجدي العمروسى أن اعيد الكشف عليه، ففعلت، وكذلك طلبا إلى نفس الشئ فى مستشفى مصر الدولى الذى بقى فيه الجثمان الى اليوم التالى.

وكانت النتيجة التأكد من أن الأستاذ قد مات وهذه هى القصة صحيح أن الطبيب الشاب الدكتور عماد عوض لم يرد على سؤال حول ما إذا كان الخوف قد صنع الأزمة القلبية التى أودت بحياة الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب.

إلا أن كل التفاصيل التى ذكرها تشير إلى أن الخوف، قد يكون لعب دورا ما وأن كان موت رجل، ولو كان عبدالوهاب، فى التسعين من حدث وبدر لنا وهما صنعه الحب للموسيقار الراحل وتصورنا معه خطا بان رجلا مثله لا يرحل ابدا.

مواقف من حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب مع الكاتب محمود لطفي

الموسيقار محمد عبدالوهاب فى أخر انتخابات جمعية المؤلفين والملحنين ومعه الأستاذ محمود لطفى والمطرب محمد العربى والملحن نجيب السلحدار ( فى هذه السطور يكتب الأستاذ المحامى محمود لطفى مستشار جمعية المؤلفين والملحنين التى كان الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب رئيسا لها منذ ما يقارب العشرين سنة وأكثر بعضا من ذكرياته القريبه عن آخر ايام الموسيقار مضى إلى طريق الحق وترك دنيانا ونحن من حوله لا نستطيع أن نفعل شيئا كان عبدالوهاب رجل علاقات عامة قبل أن يكون فنانا عظيما يحمل القابا واوسمة، ونياشين جمعها من ثمار الخوالد التى قدمها للجماهير على مدى حياته الطويلة والتى من أجلها أصبح موسيقار الأجيال كنت انتظرت أن يخرج من سريره فى الصباح وكان موعده دائما ثابتا العاشرة والنصف يخرج من حجرة النوم على الرغم من أنه مستيقظ منذ صلاة الفجر، وكان يجلس فى سريره يستمع إلى الإذاعات وينابع ما يذاع فى الصباح من أخبار سياسية ثم فى الحادية عشرة اتلقى مكالمته والتى كانت فى الفن، والسياسة والاقتصادية وكل ما يشغل باله من أمور سواء أكانت فنية أو عامة نتبادل الرأى فيها.

ثم نخرج إلى مجال تجميع ما عندى وما عنده من أخبار عن الوسط الفني، ثم بعد مضى ساعة كاملة تنتهى المكالمة اليومية لتبدأ فى اليوم التالى وهكذا وفى الشهر الأخير لم يكن منتظما فى اتصالاته التليفونية اليومية إلى أن عرفت أنه يذهب إلى طبيب الأسنان ثم أجرى جراحة فى اللثة والمته هذه الجراحة وكان يقول أه وأنا استمع اليه وأقول لنفسى هل من مزيد لهذه الآهات التى هى مصدر تعب الاسنان ومصدر الامتاع بالنسبة لي وفى الأيام الأخيرة من رمضان المعظم اتصل بى وقال لى ـ احنا على أبواب عيد واعلم ان هناك توزيعات قريبا عن حقوق الأداء العلنى ولكن موعده بعد العيد، ولى رجاء عندك هو ان تسعى لأن يكون هذا التوزيع قبل العيد.

وقلت له: هذا مستحيل لأن الترتيب الزمنى لتوزيعات العالم تجعلنا فى النصف الثانى من أبريل (نيسان ، واستحالة تغيير انظمة الحاسب الآلي الكمبيوتر ليتم هذا الذى تريد فقال يسألني ـ الا يسعدك أن تسعد الناس قبل العيد … أننى شخصيا سأكون سعيدا لو أدخلت السعادة على بيوت المؤلفين والملحنين وصرف مستحقاتهم قبل العيد و وعدته أن أبذل جهدى فى هذا وفتحت دائرة تليفونية يومية بينى وبين باريس.

إلى أن وفقنى الله أن اتسلم كشوف التوزيعات قبل العيد بثلاث أيام واذكر أننى عندما بلغته هذا تلفيونيا أحسست وكأنه طفل صغيرقد تلقى هدية يحبها فامتلا سعادة وارتياحا، وقال أرجو أن تظل الجمعية تعمل حتى يوم وقفة العيد لتمكن من الصرف لأكبر عدد من الأعضاء.

وفعلا تم له ما أراد وكان كل عشر يتصل ليعرف مدى إقبال الأعضاء على الحضور للصرف فلما أخبرته أنه غير كثير قال كلف من يتصل تلفيونيا ببقية الاعضاء ليحضروا ويتسلموا ما لهو وتم يوم وقفة العيد، وبلغت جملة المبالغ التى صرفت ما يقارب الخمسة وثلاثين الف جنيه وكلمت الموسيقار الكبير.

فى صباح يوم العيد وهناته به فقال لى ـ ارجو لك اعيادا سعيدة دائما ، وان يمنح الله الجميع الصحة والسعادة ثم استدرك قائلا هل وزعت العيديات التى ارسلتها لك فقلت له نعم لقد وزعت البركة التى ارسلتها وهذا ما كان يحب أن يعبر به عن العطاء الذى يوزعه فى الخفاء اذ كان يقول لى اعط فلانا مبلغ كذا، وقل له هذه بركة من عند الله ولا تقل اننى انا الذى أرسلته ثم انقطعت مكالمات الموسيقار محمد عبدالوهاب عنى فمنت أنا الذى أطلبه بعد أن كان هو الذى يطلبنى وكان حديثه معى قصيرا لا يزيد.

ثم استاذنه فى أنها الحديث لاحساسى أنه ليس فى الفورمة وليس كعادته مرحا يفيض بهجة وحيوية ثم انقطعت المكالمات نهائيا.

وأصبحت أطلب وأسأل من حوله عنه وأضع سماعة التليفون دون أن أسمع الصوت الحبيب .. ثم كان قطع الارسال الإذاعي
والتليفونى الذى حمل لنا نبأ الفاجعة.

وقلت عبارته الشهيرة التى كان يرددها عندما يسمع خبر وفاة أحد لا اله الا الله أن الحياة قبض الريح وتركنا الأستاذ ورحل بجسده وترك لنا ذكرياته معنا و رصيدا ضخما من روائع الفن، والتى أهلته للقمة والخلود وسيبقى الاستاذ، الموسيقار الدكتور، اللواء، وفنان الشعب محمد عبد الوهاب، قيمة للفن ومرحلة أرجو أن تجد من يملا الفراغ الذى تركه هذا العظيم.

 

 

 

اقرأ أيضاً..وردة الجزائرية: بليغ حمدى لم يكن له بصمة على أدائي (حوار)

أحمد فرحات يكتب : شبيه زماننا