الشيخ أشرف محسن يكتب: التغريب الثقافى

هذا عنوان كبير جدًا تحته كلام يطول التغريب نسبة إلى ما عند الغرب والغرب إما أوربا وأمريكا، وإما المسيحية الشمالية وكلاهما واحد، وتتلخص الفكرة التغريبية الثقافية فى معناها الحسن إلى الأخذ مما عندهم من معارف وعلوم، لكن المعنى الثقافى يرفض ذلك الأخذ، لأن الأخذ الثقافى معناه الفكرى والقيمى والمجتمعى بعاداته وتقاليده وسلوكه واهتماماته، وذلك يمكن القول به لو كانت الحدود اللغوية غير موجودة وكذلك الحدود الدينية، لأنه عندئذ يمكن القول إننا واحد فيمكن تقبل تلك الأفكار وهذه العادات لأن البعد اللغوى والدينى واحد، أما والوضع كما هو فلايمكن أبدًا الأخذ الثقافى بمعناه الشامل الواسع، لأن الثقافة أول ما تأخذ من اللغة ومن الدين، ثم يصير ذلك إلى القيم المجتمعية.

وإذا كنا لا نستطيع أن نتخلى عن لغتنا ولا عن ديننا فلا يمكن أبدا أن نقبل التبعية الثقافية لا اليوم ولا بعد ألف سنة، وتاريخ التغريب الثقافى تاريخ طويل ممتد لحوالى مئتى سنة، يوم أن قررنا أن نتعلم من الغرب النهضة العلمية واتبع ذلك الانبهار بما عند الغرب من علوم ومعارف وصناعات لم تكن عندنا، ثم بعض أشكال الحياة المختلفة، فبعد أن كانت نهضة علمية صرفة إذا هى تبعية ثقافية، وكان لذلك عهدا وهو عهد الانبهار بما عند الغرب فى كل شئ، فانبهر به كبار الأدباء، كطه حسين حتى قال إنتا لابد أن نقبل كل ما عند الغرب حتى لو بصقوا بصقة أخذناها، وذلك قوله فى أول انبهاره، ثم رجع عن ذلك فى آخر أيامه، ولما افتتحت جامعة الملك فؤاد وهى جامعة القاهرة اليوم كان أغلب العلماء إن لم يكن كلهم من الغرب ومن المستشرقين، المعروفين بعدائهم للغتنا وديننا، وهؤلاء هم من وضعوا المناهج التعليمية التى نستقى منها إلى الآن ولا نخرج عن سياقها.

حتى نشأت أجيال كاملة لا تعرف عن لغتها ولا عن دينها ولا عن تاريخها ولا رجالها إلا صور مشوهة، وتنتهى بهم هذه الصورة إلى رفض ذلك كله، فلغتنا لغة قديمة معقدة لا تصلح للخطاب العلمى، فلا يمكن ترجمة اللغة العلمية بها، وديننا لابد فيه من تعديلات كثيرة فى نصوصة وأفكاره، وأما رجالنا فلم يكن منهم ذا بطولة إلا وهى مدخولة بقتل أو تخريب أو أنهم فى أحسن أحوالهم قوم جهلاء عاشوا أغلب حياتهم في الصحراء، هذه هى الصورة النمطية التى تدرس على أنها الحق المطلق وما سواها فباطل، والحق أن عالم الأفكار عالم متشعب كثير المسالك وعر الطرقات، ونحن نقبل فيه كل حق قيل من اى أحد، فنحن نقبل الحق من قائله

كائنا من كان دون النظر إلى هيئته ولا شكله ولا دينه، ونحن نستفيد من كل أحد عنده علم، وهذا فعل علمائنا، فإنهم أدخلوا فى مباحث اللغة مباحث لم تكن عندنا وإنما أخذوها من المباحث اللغوية الغربية، وكذلك فى تحقيق الكتب وطباعتها وتنسيقها والنظر فى المخطوطات والمقارنة بينها إلى غير ذلك من علامات الترقيم وغيرها مما يمكن القول فيه أنه مستفاد مما عند الغرب، دون كبر أو إنكار.
وهذا معنى كبير يمكن القول فيه بكلام كثير وبأمثلة أكثر.