أسامة مهران يكتب: الاقتصاد المصري وساحل البودرة!

ما أن نشرت مقالي السابق عن الاقتصاد المصري “بين ساحلين” أحدهما طيب والآخر شرير، حتى باغتني أحد رجال الأعمال المصريين المقيمين في لندن ويعمل في قطاع التدريب والتعليم، بتعليق طويل مفاده: أن ما يسمى بالساحل الشمالي الطيب والآخر الشرير قد عفا عليهما الزمن، وأن هناك ما يسمى بساحل البودرة، تلميحًا وتصريحًا بتجار الممنوعات والعياذ بالله.

الصديق كان يتحدث عن ذلك الساحل الممتد من رأس الحكمة إلى ما شاء الله بعد أن تم الإعلان عن قيمة الإقامة الأسبوعية للفرد الواحد في تلك المنطقة “الساحرة”، حيث يعرض “المسوقون” مبلغ 130 مليون جنيهًا لقضاء أسبوع بين أحضان الطبيعة الماسية التي لا مثيل لها إلا في جنات عدن والله وحده أعلم.

ولأن الشعب المصري خفيف الظل كعادته، ولأن متوسط دخل الفرد في الكنانة لا يتجاوز الـ 600 دولار في السنة، فإنه من غير المعقول أن ذلك الساحل يمكن أن يستضيف المصريون الذين يقضون أيامهم العصيبة وسط ظروف غاية في ضنك العيش، ولأن هذه المبالغ الضخمة لن تكون إلا في حوزة تجار الممنوعات ومنها “البودرة”، وفقًا لما يتردد على سبيل المزاح.

التعليق أشبه بالنكتة البايخة، لكنه يعكس حقيقة مرة، ويدل على أن الاقتصاد المصري يعيش حالة ازدواجية لم يسبق لها مثيل، وأوضاع يصعب التكهن معها عن مسارات المستقبل بكل ما يحمله من تحديات ليس فقط على مستوى سعر الدولار في السوق، أو على نطاق أسعار الذهب التي تتعرض بمحاولات الضرب تحت الحزام، والبيع خارج الأعراف القديمة، ولا حتى عن الإنتاج المحدود للسلع والخدمات مقابل تعاظم الاحتياجات لشعب يتجاوز عدد سكانه بالضيوف نحو 120 مليون نسمة.

الحكومة أطلقت مؤخرًا تصريحًا مفاده أن هؤلاء الضيوف يكلفون الخزينة العامة للدولة أكثر من عشرة مليارات دولار سنويًا، وأغلب الظن أن هؤلاء الضيوف يضيفون للخزانة العامة هذا الرقم على أقل تقدير ذلك أنهم لا يحصلون على أية خدمات إلا وكانت مدفوعة الأجر مقدمًا، ولدرجة أن أسعار التأجير للعقارات قد تضاعف خلال السنة الأخيرة في القاهرة والمدن الجديدة بأكثر من 100%، أي أن إيجار الشقة الذي كان يعادل عشرة آلاق جنيه قبل نزوح الأشقاء السودانيين والسوريين وغيرهم أصبح يتم تأجيره بعشرين ألفًا شهريًا على أقل تقدير.

هذا يعني أن الهرم المقلوب للاقتصاد المصري، وأن سعر إدارة الموارد، وشيوع ما يُسمى بسيطرة طبقة الساحل ما بعد الشرير على مقدرات صناعة القرار الاقتصادي قد أصبحت هي الحاكمة عند تقدير قوة الاقتصاد أو ضعفه، وعند الحديث عن سعر صرف الدولار الذي بدأ يشاور عقله ويصعد في السوق الرسمي لما بعد الـ 50 جنيهًا للدولار الواحد.

الاقتصاد المصري يعاني من قضية هيكلية تتمثل في فقدان التحكم والسيطرة، وفي خلل إدارة الموارد وتوظيفها لتصب في صالح الطبقة العريضة المنتجة وليس في حسابات الطبقة المحدودة المسيطرة.