أحمد فرحات يكتب: “جانب” الشعر

علاء جانب الشاعر الأمير الفائز بجائزة إمارة الشعر عام 2013م، وفي هذه السنة تحديدا تاريخ مقدر في مصر، وتاريخ معلوم سياسيا، وربما هذا لم يكن ليسلط كُوّة النور على منجز الشاعر ولقبه الرفيع.

علاء جانب أول شاعر أزهري يحصد لقب الإمارة، وهو أستاذ جامعي مرموق، اشتبك مع الشعر منذ وعى وأدرك أهميته ودوره.
والاشتباك مع الشعر في الشعر يسمى ميتا شعر، وهو مصطلح يشير إلى التنظير أو الوصف أو الكلام على الشعر ضمن إطار العمل الشعري نفسه.

وهو عند دوروثي بيكر يعني”منعكس ذاتيا self-reflexive ” لوصف الشعر الذي يعكس ذاته ويتفحصها، ويعني أيضا «الشعر على الشعر» أو «القصيدة في القصيدة» ترجمات محتملة للمصطلح اليوناني أصلا. ويرجع تاريخ الكتابات الميتاشعرية إلى الشاعر الروماني هوراس في قصيدته المشهورة «فن الشعر» التي يقدم فيها النصائح والتوجيهات للشعراء والكتاب المسرحيين. إلا أن هذا النوع من الكتابة الشعرية أقرب إلى النقد المنظوم بحيث يلعب الشاعر دور المنظر أو الناقد ويكون الشعر، وزنا وقافية، مجرد قالب أو اطار لهذا التنظير النقدي.

في هذه الميتاشعرية يعيد الشاعر النظر في موقعه إزاء الشعراء الآخرين وإزاء تراثه الشعري، فنراه يسائل نفسه ويمتحنها، نراه يتفحص الشكل الشعري ويعيد تركيبه. والدافع لكل هذا وعي حاد بخفايا الكتابة الشعرية ودقائقها ينعكس في النص الشعري مقدما لنا قصيدة تسائل نفسها وتطرح أسئلة حول تعريف الشعر وحدوده، حول مكانة الشاعر ودوره، حول إمكانية القول الشعري الجديد أو استحالته. وهذه أسئلة تكثر أو تزداد إلحاحا في بدايات مشاريع التجديد الشعري.

فيقول في هذا الصدد:
سبعٌ عجافٌ .. أُعقبت بعجافِ..
قامتْ بها زُمَرٌ من الأنصافِ!!

لا حدَّ.. لا تعريفَ.. لا حكَمٌ قد اخـ ..
ــتلط الزمان بأعيُنِ الإنصافِ
فالشعر ..
صار بضاعة..
مغشوشةً ..
من مدعٍّ نسبا إلى الأشراف
والمبدعون على الطريق الحافي

أضحى لذا البهتان وجه باردٌ…
عكر.. يسمم في المعين الصافي
بوليمةٍ يغدو فلانٌ شاعراً…
وبضحكة .. يا نقد حضنك دافي…

يا شعرنا العربي.. كل حياتنا ..
فوضى .. فكن فوضى ..وكيْلُكَ وافِ
هل شاعر ٌ.. لا يستطيع قراءة..
لقصيدة عربية الأعطاف؟!!

الشعر أكرم من وجاهة مترفٍ..
يحتاج ” بروازاً ” بالاستعطافِ
الشعر أكرم من ثقيل بارد…
أو ثلة وقفت على الأعراف ..
الشعر لا طُعماً ولا صنّارة ..
من عاجزين منكّسين ضعافِ
الشعر ليس مجاملات هاهنا..
أو هاهناك لأرخص الأهداف
الشعر موتٌ بالحياة ووخزةٌ ..
في القلب .. تثبتُ في الكلام النافي

القصيدة صرحة مدوية في وجه أعداء الشعر، وأنصاف الشعراء، وأرباع الشعراء، العاجزين الضعفاء، منكسي راية الشعر، الواصلين بلا موهبة حقيقية. القصيدة –رغم شعريتها- وثيقة نقدية معبرة عن معاناة الشعراء وهم يرون الأقزام يتقافزون هنا وهناك.
المحك في قبول الشعر ليس صدقه ولا قول الحقيقة، وإنما في زخرف القول وبيان جماله، فالحق يتغير، والجمال ثابت، وهناك من تكون حجته أقوى، وتعبيره أدق، وصياغته جمالية، بغض النظر عن مدى صدقه أو كذبه.