أحمد حسين الطماوي.. حادي قافله النقاد

رصد الكاتب محمد جبريل ما يزيد عن 50 شخصية في كتابه ” ناس من مصر” الصادر حديثًا، وكان من بين هؤلاء الناقد أحمد حسين الطماوي، فقال:” رأيته في آخر لقاءاتنا على أبواب معرض القاهرة الدولي للكتاب كان يغادر المعرض في يده ربطتا كتب، قال في لهجة متعبة وإن ظلت ابتسامته الطيبة في موضعها على شفتيه: قد لا يتاح لي فيما تبقى من العمر قراءتها لكنه إدمان الكتب

وقال جبريل:” جنى أحمد حسين الطماوي مكتبته الهائلة في الطابق الأرضى من بيته ذك الطوابق الثلاثة بعين شمس قبل أن ينتقم إلى بيت جديد في حي العبور آلاف الكتب والمجلدات والدوريات القديمة أفنى عمره أقصد التعبير في التقليم فيها واستخراج ما تحويه من جزر مجهولة أثرى بها حياتنا الثقافية.

حدثتك من قبل عن الدارس وأنه يسبق الناقد في النقد الأدبي بمعنى رسم الصورة الحقيقية لبانورأما الجنس الأدبي وأبرز أعمال واتجاهات ربما أهملتها كتابات النقاد لأصله لذلك بالمكانة العلمية وإن كان على الدارس أن يتسلح بحصيلة معرفية تطيح له دور الدليل الذكي للنقاد والباحثين في اختيار الكتابات التي يعنون بنقلها أو يخضعونها للرؤى المنهجية التي تتناول تيارا جمعيا يتفق أو يختلف في اتجاهاته سواء من حيث الفنية أو الزمان أو المكان

أذكر أنني أشرت إلى كتابات دراسين مثل حلم مراد وأحمد حسين الطماوي وسيد كيلاني ونقولا يوسف وعباس خضر ورفعت السعيد قاموا بما يشبه دور الحداه لقوافل النقاد قرأوا وراجعوا التواريخ وقارنوا ووازنوا وقدموا عبر بحوث منهجية ما أغنى النقاد وطلاب الدراسات الأكاديمية عن الكثير من البحث والتقليب

اختار أحمد حسين الطماوي السير في الطريق التي ارتداها الباحث والمحقق محمد سيد كيلاني وهي الدراسة والتحقيق وتسليط الضوء على الجوانب المجهولة في تراثنا الثقافي لكن الطماوي قصر تلمذته على العقاد هو الاستاذ بلا اسم يسبق الصفة ويليها كأنه المريد الذي يتبع القطب الصوفي درس سيرته الشخصية وكتاباته وحرص على حضور غالبية الملتقيات التي شارك فيها أستاذه وتابع معاركه ما أكثرها وانتصر له في كل الأحوال

روي لي عن صالون العقاد كنت في بداياتى الصحفية وحفزتني المعركة الكلامية بينه وبين رجاء النقاش في الأخبار على زيارة الكاتب الجبار كما وصفه سعد زغلول ظل زياراتي للصالون مشروعا مؤجلا لاتفاق موعدها مع موعد حضرة قطب الطريق المحفوظية في كازينو أوبرا فلما غاب العقاد عن عالمنا أدركت أني حرمت نفسي من لقاء واحد من أهم مفكرى هذا العصر كنت قد رأيته مرة سابقة وحيدة في شارع سعد زغلول بالإسكندرية كان جالسا بمفرده في المقعد الخلفي لسيارة قديمة الطراز اقتربت من النافذة المفتوحة وقلت في خوف مبعثه ربما صفة الكاتب الجبار التي أطلقها عليه سعد زغلول الأستاذ العقاد تمازجت هزة رأسه ببسمة أبوة مشفقة فتشت عن الكلمات التي أبدأ بها حوارا فلم أجد قلت كلمات متقاطعة مبعثرة تعبر عن حب حقيقي وانصرفت

لاحظ الطماوي حرصي على التعرف إلى ما كان يدور في صالون العقاد من مناقشات بدا لي صاحب العبقريات من خلال روايات الطماوي عبقرية مصرية له ذاكرته الحافظة وحصيلته المعرفية الوافرة وآرائهم التي تصدر عن قناعة فهو يجيب عن الأسئلة في كل المجالات يذكر الأسماء والتواريخ والأرقام دون أن يعود إلى مكتبته الهائلة وحين أشرت إلى كتاب أنيس منصور في صالون العقاد كانت لنا أيام فجاءني الطماوي بأن أنيس منصور ربما أجرى حواراته مع العقاد في أمكنة غير الصالون الذي لم يحضر جلساته

كان كتاب الديوان الذي أصدره العقاد والمازني في 1921 معلما بارزا في حركة التجديد في الأدب المصري والذي واكبت ثورة 19 في المقدمة تتحدث عن المذهب الجديد في الشعر والنقد والكتابة وقد سمع الناس كثيرًا عن هذا المذهب في بضع السنوات الأخيرة ورأوا بعض آثاره وتهيأت الأذهان الفتية المهذبة لفهمه والتسليم بالعيوب التي تؤخذ على شعراء الجيل الماضي وكتابه ومن سبقهم من المقلدين.

وترى المقدمة أنه لابد من إقامة حد بين عهدين لم يبقى ما يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما أقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي إنساني لأنه من ناحية يترجم عن طبع الإنسان خالصا من تقليد الصناعة المشوهة ولأنه من ناحية يترجم عن طبع الإنسان خالصا من تقليد الصناعة المشوهة ولأنه من ناحية أخرى ثمرة لقاح القرائح الإنسانية عامة ومظهر الوجدان المشترك بين النفوس قاطبة ومصري لأن دعاته مصريون تؤثر فيهم الحياة المصرية وعربي لأن لغاته العربية فهو بهذه المثابة أتم نهضة أدبية ظهرت في لغات العرب منذ وجدت وذهب الكاتبان العقاد والمازني إلى أن ترتيب الشعراء كان يتم على حساب الوظائف والألقاب فالأول هو البارودي لأنه باشا قديم والثاني إسماعيل صبري لأنه أحدث عهدا بالبشوية والوزارة والثالث شوقي لأنه بك متمايز ثم حافظ إبراهيم بك لأنه إحرز الرتبة أخيرا ثم خليل مطران إنه حامل نيشان ثم طائفة الأفندية والمشايخ كأنما يرتبونهم في ديوان التشريفات لا في ديوان الأداب أما شوقي أول وآخر أمير للشعراء فقد أكد الكاتبان أن هدمه من أهون الهينات.

جمعت زمالة المعلمين العليا بين المازني وعبد الرحمن شكري وشكل مع العقاد مدرسة شعراء الديوان التي دعت إلى الأصالة وإلى وحدة القصيدة وصدق الشاعر في العاطفة والإحساس والتعبير وظهور شخصيته الفنية والتعبير وظهور وسط إلهام الشاعر للطبيعة وتناوله للموضوعات الإنسانية فضلا عن محاربة التقليد والافتعال والشعر المناسبات

ما لبث عبد الرحمن شكري أن افصل عن زميليه ونشأت بين شكري من ناحية وبين العقاد والمازنى من ناحية ثانيا خصومة قاسية وعاب شكري على المازنى انتحاله لبعض القصائد بالإنجليزية ثم أصدر المازني والعقاد كتاب الديوان انتقدا فيه شوقي وحافظ وانتقد المازني ابرز كتاب الفترة مصطفى لطفي المنفلوطي كما انتقد شكري بعد أن أسرف في مدحيه في مقدمة كتاب شعر حافظ

أحدث الديوان صدى عميقًا وواسعًا في الصحف والدوريات ثمة من برر نقد الديوان وبرره باعتباره حملة على كل أتباع المذاهب القديمة الذين يقلدون العرب تقليدا أعمى فكانوا سببا في انحطاط الأداب والفنون ووقوفها نحو عشرة قرون في مصر وفي سائر البلاد العربية وثمة من دافع عن شوقي وشكري بإمضاء كاتب بأنه يوافق على ضرورة تشييد الأدب الحديث على روح العصر وإحساسه والتمشي مع تطوراته وإبرائه من كل آفة ألمت به دهرا لكن بلغ هذه الغاية في تقدير الكاتب لا يأتي بما هاجمت فرد واحد بعينه كشوقي وهل يكون سقوط شوقي مانعا منظار شعراء يقلدون العرب ويسيرون على النمط القديم إن إسقاط شاعر يحتذي العرب في نظمهم ليس تغييرا للروح الأدبية العامة التي تصعد في البلد والتي نشأت بعوامل كثيرة على مر الدهور نذكر منها أن الكتب المتداولة بيننا والطرق التي يلقن بها الأدب في مدارسنا واقفة عند حد الكتب القديمة وبعيدة كل البعد عن أن تكون صور لما يراه الناشئة حولهم من إحساس وتفكير وما وصلت إليه الإنسانية من علم وفن وإذا دافعنا نحن اليوم عن شوقي فكما ندافع عن المتنبي أو البحتري وغيرهما من شعراء العرب وإذا أعجبنا به فلأنه أجاد مثل إجادتهم.

والحق أنه من الصعب تسمية مدرسة الديوان على الشعراء الثلاثة ذلك لأن كاتبيه هما العقاد والمازنى وكان شكرى منقودا في الكتاب وليس ناقدا وفى تقدير سهير القلماوي أن الدولة للتجديد سبقت مدرسة الديوان بفضل اتصال المؤلفين بالثقافة الغربية فضلا عن أهمية دور الترجمات تضيف القرماوي أن العقاد والمازنى لم يطمحا إلى تقديم  نظرية نقدية متكاملة في ديوانهما وإنما كان هدفهما إقامة حد فاصل بين عهدين شوقي وحافظ من ناحيتة  وشعراء مدرسة الديوان من ناحية ثانية

مع أن عبد الرحمن شكري كان ثالث الأصدقاء الثلاثة إضافة إلى اعتراف المازنى بفضل شكري في توجيهه ثقافيا وإفادته من قراءته الموسعة فإن المازنى كما نشر عبد الرحمن شكري في الديوان وأخذ عليه انتقادات شتى ودارت في الصحف في الكتب مساجلات قال إنها كانت في توقف شكر عن الكتابة وإن برر تلميذ شكرى الكاتب نقولا يوسف أنه لم يكن إلا تريث وصمد في فترة منازل فترة من الزمن واصل الكتابة فيما بعد في الهلال وأبولو والرسالة والمقتطف والمجلى الجديدة وغيرها

إذا كان غالبية الباحثين قد أخذوا على العقاد والمازني ملاحظاتهم القاسية على عبد الرحمن شكري فإن الطماوي تلميذ العقاد قد إنحاز إلى العقاد

لاحظ الطماوي اهتمام صحف تلك الفترة بروح تجديد التي أشاعها العقاد في كتاب الديوان وكان أكثرها كتابة جريدة السفور وعكاز استمرت حملة عكاظ ما يزيد عن العام ضمنتها تعبيرات بلغت حد الشتم كوصف العقاد بأنه المعلول المسلول الفقير في الإخلاص والأخلاق بينما مالت السفور إلى الموضوعية في نقدها للكتاب

ولا شك أن كلمات العقاد في تقدير الطماوي قد أثارت التأمل والرغبة في المناقشة والمراجعة حيث أخذ علي أمير الشعراء تفكك حديثه عن الوحدة الموضوعية وما فيه من مغالات وشطط عند الإحالة وندد بما ورد فيه من معان وكلام مبتذل وتشبيهات خاطئة وتكلف وتعمل وتقليد للقدماء وسرقات من معانيهم وألفاظهم وانتقد انشغال شوقي بالتشبيهات الحسية عن لباب الحقائق وأحاسيس النفوس ومتابعة للمناسبات والنظم فيما دون شعور صادق ينساب في التعبير

وأشعار العقاد إلى أشعار شوق التي يتخذ منها الدليل والمثال على ما ذهب إليه فكان لتطبيقاته على حد تعبير العقاد أكثر الأثر في التأثير والإقناع ويؤكد الطماوي وجهة نظره المنحازة لآراء العقاد بالقول إن العقاد لم يكن أول من انتقد شوقي فقد انتقده من قبل محمد المويلحي وأحمد فؤاد الصاعقة وحافظ إبراهيم وإبراهيم اليازجي ونقد شعراء عديدون شعره منهم محمد توفيق والهراوي لكن لم يبلغ واحد منهم ما بلغه العقاد في الديوان لأنهم يهدمون فحسب أما هو فيهدم ليقيم مذهبا جديدا

أعتز شخصيا بإهدائه لي كتاب صبرى السوربونى سيرة تاريخية وصورة حياة قدم لى الكتاب في زيارة إلى بيتى ففاجأني وأسعدني في الصفحة الأولى إهداؤه المطبوع صدر له بالإضافة لهذا الكتاب عدد كبير من المؤلفات التي شملت الإنسانية المختلفة محمد لطفي جمعة سارة العقاد حياتها وأسرارها الشعر الحديث أصوات وقضايا لبنان وطن ورسالة جورجي زيدان سيم العشق والعشاق والملاحم بين الأدب والتاريخ فصول من الحياة الأدبيه ما هنالك من أسرار بلاط السلطان عبد الحميد راودا ومعاصرون الديوان المجهول لخليل مطران الشرق والغرب ببليوجغرافيا أعمال محمد صبري السربوني الهلال 100 عام من التحديث والتطوير قبس من وحي التراث أفراح ملوك ورؤساء مصر النيل وفرات.

ليلة باسمه في حياة مي إلى آخره كما تقدم بدراسة مطولة مسرحية المروءة والوفاء لخليل اليازجي وهي أول مسرحية شعرية عربية ودرس وحقق ديوان وطنيتى وأشعار اخرى التي نسب إلى الزعيم محمد فريد وأودع السجن بسببه

كعادة الطماع في اكتشاف الجزر المجهولة في محيط الثقافة العربية عرض لأول مجلة مصرية متخصصة في الشعر هي المنظومة التي صدرت في 1992 1892 العام نفسه الذي صدرت فيه مجلة الهلال.