أحمد فرحات يكتب : قانون الحب

في قانون الحب وقواعد المؤكدة عند الراسخين في الحب أنه لا يعرف زمانا، ولا مكانا، ولا قربا، ولا بعدا، ولا صداقة، ولا عداوة، ولا عمرا، ولا دينا.

 

في قانون الحب لا يعرف المحب أن أهل محبوبته من أعدائه أو من أقربائه؛ فقد أحب امرؤ القيس امرأة من كنانة وقد كانوا أعداءه، وأحب لبيد امرأة من مُرة وقد كانوا أعداءه أيضا. وقد سمى د. طه حسين هذا الضرب من الحب بالغزل الهجائي، وزعم أنه إسلامي النشأة، ورد عليه د. عبد الله الطيب صاحب كتاب المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، بأنه غزل جاهلي، يضرب في جذوره إلى أعماق سحيقة في التاريخ الأدبي، ومن جانبنا نرى مثل هذه الظاهرة كثيرا في الشعر العربي؛ فالشاعر كان يحب امرأة، وقومها من ألد أعدائه، يحاربهم ويقاتلهم وقتا طويلا، لكنه يعشق نساءهم، ويحب دلالهن، ومرحهن؛ فيقول المُفَضّل النُّكْرِيّ صاحب المنصفة القافية الشهيرة :

ألمْ تَرَ أنَّ جيرتَنَا استقَلُّوا

 

 

فنِيَّتُنَا ونيتُهُمْ فَرِيقُ

 

 

 

فصاحبته من بني قومه المقربين الذين يجمع بينه وبينهم عداوة وحقد دفين، وها هو ذا قد أعلن منذ أن صاحبته في طريق، وهو في طريق، فالنوايا بينهما واحدة، وهي إعلان الهجر والقطيعة على الرغم من عشقه لها. ثم راح يصف دموع الفراق بأنها لؤلؤ ينزل على صدره وصدرها فتبلله، وهي التي هام بها وعشقها عشقا طالما تمتع بجمالها وقتا ليس بالقصير. وليس المفضل وحده من عشق امراة من أعدائه، فهذا ابن بَرَّاق الثُّمَالي يقول:

عَدَانِي أنْ أزورَكِ أنَّ قَومِي

 

 

وَقَومَكِ ألقحُوا حرباً شمُولا

 

 

 

يعلن الشاعر صراحة أن سبب تغيبه عن الموعد المحدد بينه وبين صاحبته أنه شغل بحرب مع بني قومها، وأنه يطلب منها الصفح والمغفرة لأنها إذا رأته وهو يحارب يوم الحيار لتقبلت العذر وسامحته. وهكذا يمكن أن نؤكد على هذه الظاهرة. ويؤكد أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت توتر العلاقة بينه وبين أهل صاحبته؛ بل عداوتهم في نونيته، ويعلن في صراحة تامة:

أَفي سَلمى يُعَاتِبُني أَبوها

 

 

وَإِخوَتُها وَهُم لِي ظالِمُونا

 

 

 

ويؤكد العديل بن الفرخ هذه العلاقة بين الشاعر ونساء الأعداء في قوله:

لعلَّ الذي قَادَ النَّوَى أنْ يَرُدَّهَا

 

 

إلينا وقد يُدْنَى البَعِيدُ مِنَ البُعْدِ

 

 

وعَلَّ النَّوى في الدَّارِ تجمعُ بيننا

 

 

وهل يُجْمَعُ السَّيفَانِ ويحكِ في غِمْدِ؟

 

 

فالشاعر يصرح أن قومه وقومها يتحاربان، وفي عداء دائم، فكيف يمكن أن تجمعهما دار واحدة؟ وضرب لذلك مثلا بامتناع السيفين أن يجتمعا في غمد واحد.

قد نقبل هذا في عصور الظلام والجهل، لكنه يفزعنا إذا قرأناه في عصور النور والعلم والمعرفة.

تغزل الصحابي الجليل حسان بن ثابت في ليلى بنت الخطيم، وانتقم منه قيس بن الخطيم وتغزل في عمرة زوج حسان. ولا شك أن مثل هذه القصائد تمثل خط القلق النفسي، واضطراب النفوس، وتغير عدة السلاح، فبدلا من الحروب الفعلية حلت الحروب الشخصية، والعائلية، وقد سجل ديوان الشعر العربي هذه القصائد القلقة كأنها قيلت وروح الشاعر على جناح القلق تتقلب. وقد نقل صاحب نشوة الطرب فقرة أراها من أهم فقرات الكتاب عن قيس بن الخطيم. قال: وكان أجمل أهل زمانه، لا تراه امرأة إلا فتنت به، وكان يتغزل في عمرة زوج حسان بن ثابت، وكان حسان يتغزل في ليلى بنت الخطيم..فالحرب قد نالت من نسائهم بشكل صارخ.

وفي قانون الحب لا وعود ولا كرامة ولا صدق بل الجبن والجنون والخنوع والذل والحماقة.

“…وعدتُك أن لا أحبك..

 

ثم أمام القرار الكبير، جبنت

 

وعدتكِ أن لا أعود…

 

وعدت…

 

وأن لا أموت اشتياقاً

 

ومت

 

وعدت مراراً

 

وقررت أن أستقيل مراراً

 

ولا أتذكر أني استقلت…

 

 

وعدت بأشياء أكبر مني..

 

فماذا غداً تقول الجرائد عني؟

 

أكيدٌ.. ستكتب أني جننت..

 

أكيدٌ.. ستكتب أني انتحرت

 

وعدتك..

 

أن لا أكون ضعيفاً… وكنت..

 

وأن لا أقول بعينيك شعراً..

 

وقلت…

 

وعدت بأن لا …

 

وأن لا..

 

وأن لا …

 

وحين اكتشفت غبائي.. ضحكت…

 

 

إقرأ المزيد

 

دعاء 8 رمضان.. دعاء اليوم الثامن من رمضان الاثنين 18-3-2024