أحمد فرحات يكتب : الشك

 

الشك كما يعرفه الأصوليون هو: ما استوى طرفاه، والظن هو ما ترجح أحد طرفيه، فالراجح يسمى ظنا، والمرجوح يسمى وهما. وهو مرض في علم الطب، وعلم النفس، له أسبابه وظواهره، وطرق علاجه. وهو مطلق التردد، بين تصديق وتكذيب، وهو ضد اليقين وطمأنينة القلب على حقيقة الشيء.

 

يُحمدُ الألمُ للمريض الذي تبدو آلامه، ويحمد للشك أنه يظهر فساد العلاقة، فلولا الألم ما تم العلاج، ولولا الشك لضعنا في بحار الوهم والخداع.

 

والشك يجلب الطمأنينة للقلب إذا استوتى عنده الأمران، لأنه سيصل من خلاله إلى اليقين الذي يطمئن القلب والروح والنفس”رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي” آية 260 من سورة البقرة.

والشك في ديوان الشعر العربي تيمة شعرية قديمة حديثة في الآن معا، وسوف أقتصر في خطابي هذا على (الشك) عند محمود حسن إسماعيل، و(ثورة الشك) عند الأمير عبد الله الفيصل، و(سحب الشك) عند سالم الضوي.

 

وللشك في ديوان الشعراء تعابير عامة وأخرى خاصة، فهو مبعث اللهيب في الروح، ومصدر الشقاء في النفس، ومثير للفزع والرعب، وأرض خصبة لفحيح الأفاعي تطل من رأس كل عضو من أعضاء الجسد.

فعند محمود حسن إسماعيل قصيدة تحمل عنوان”الشك” يقول:

قد كنت روضا يانعا كل زهرة لديه أرى في عطرها رأس حية

وأسمع لفح الشك تحت ظلاله كما يسمع اللحم الرخيم بضجة

وتزحف من أيكٍ بجفنيك ساحر رهيب الذرى تخشى حماه تميتي

وفي الأبيات تعابير الشك ومفرداته، تبدو جلية في الصورة الكلية لوصف المحبوبة بالروض المكلل بالزهور وفي كل زهرة تنتفخ رأس حية، تكاد تسمع فحيحها مما يثير النفس بالفزع والرعب في كل جانب من جوانبها التي تترأى له.

وللأمير عبد الله الفيصل قصيدة ثورة الشك يقول فيها:

تعذب في لهيب الشك روحي وتشقى بالظنون وبالتمني

وكم طافت علي ظلال شك أقضت مضجعي واستعذبتني

ينتفض الشاعر في عذابه ولهيبه، ويشقى شقاء بظنونه وأمانيه التي تروح وتجيء في فزع ورعب جراء شكوكه في محبوبه فالشك يرسم صورة سوداوية للعلاقة التي يلجها الشاك، وهي باب شقاء وعذاب للجسد والروح معا.

ولسالم الضوي قصيدة بعنوان”سحب الشك” يخطو فيها خطى سابقيه في تجسيد الفزع والرعب فيقول:

سحب من الشك المخيف تظلني

وبكــــل هـــمٍ فوق أرضـــــي تمــــــطر

قلبي هــــــــوى في لُجــة ذهبتْ به

حيث المـــــــــخاطر والمنايا تقطر

بعض الهوى يروي القلوب وبعضه

داء يــــضـــــر ولــــــوعــــــة وتحــــــــــسّر

 

فالشاعر هنا يستجيب لنوازع الشك وبراثنه القاتلة، ويقع في لجة أودت به إلى المخاطر والمنايا واللوعة والتحسر. فلكل شاعر طريقته في التعبير عن مضمون فكرته عن الشك، لكنهم يتفقون جميعا على ضبابية المشهد، وقتامة الصورة المنبعثة عن الشاك.