أحمد فرحات يكتب : عبث

 

من الناس من يحب أن يساير الآداب الغربية، سواء كانت على صواب أو خطأ فكري أو عقائدي أو حتى أخلاقي، فإذا مال القوم مالوا معهم، وإن اعتدلوا اعتدلوا معهم، ظنا منهم أن الغرب يأتي بالحق المبين، وأن ثقافتنا العربية وأدبنا العرب خلو من كل شيء.

 

ومن النقاد من ينظر إلى تزيين بحثه العلمي بأسماء أعلام ومراجع أجنبية ليثبت لنا أنه واع بكل جديد في الأدب والفكر، بل والأدهى فهناك من يلوي أعناق الأفكار العربية ليطوعها وفقا لما ذهب إليه القوم.

 

ظهر العبث في أوروبا نتيجة انعزال بعض الأدباء وتمردهم على واقعهم فمالوا إلى اللامعقول ومن ثم التمرد على أزماتهم النفسية جراء الحروب العالمية المدمرة.

 

أما في أدبنا العربي فثمة وشائج بينه وبين المفهوم الغربي وربما كان قبل أن يعرف الغربيون العبث، ومن ذلك ما نظمه النابغة الذبياني في امرأة النعمان بن المنذر متغزلا في جمالها بعد فرغ النابغة من مجلس النعمان ولم يبق إلا هما وأراد الانصراف، وهو على حافة الباب التقى بامرأة النعمان الجميلة، وكانت ظنت أن المجلس قد انتهى، فارتدت زيا شفيفا، أو لم ترتد إلا النصيف ليغطي جسدها العاري، فالتقت بالنابغة أمام عيني النعمان، فأقسم النعمان أن يكتب النابغة في هذا المشهد العبثي، فكتب:

 

سَقَطَ النَصيفُ وَلَم تُرِد إِسقاطَهُ   فَتَناوَلَتهُ وَاِتَّقَتنا بِاليَدِ

لَو أَنَّها عَرَضَت لِأَشمَطَ راهِبٍ عَبَدَ الإِلَهِ صَرورَةٍ مُتَعَبِّدِ

لَرَنا لِبَهجَتِها وَحُسنِ حَديثِها     وَلَخالَهُ رُشداً وَإِن لَم يَرشُدِ

بِتَكَلُّمٍ لَو تَستَطيعُ سَماعَهُ لَدَنَت لَهُ   أَروى الهِضابِ الصُخَّدِ

وَبِفاحِمٍ رَجلٍ أَثيثٍ نَبتُهُ كَالكَرمِ     مالَ عَلى الدِعامِ المُسنَدِ

فَإِذا لَمَستَ لَمَستَ أَجثَمَ جاثِماً      مُتَحَيِّزاً بِمَكانِهِ مِلءَ اليَدِ

وَإِذا طَعَنتَ طَعَنتَ في مُشَهدِفٍ رابي المَجَسَّةِ بِالعَبيرِ مُقَرمَدِ

وَإِذا نَزَعتَ نَزَعتَ عَن مُستَحصِفٍ نَزعَ الحَزَوَّرِ بِالرَشاءِ المُحصَدِ

وَإِذا يَعَضُّ تَشُدُّهُ أَعضائُهُ عَضَّ     الكَبيرِ مِنَ الرِجالِ الأَدرَدِ

ولا يخفى على القارئ فحش النابغة في وصفه لزوجة النعمان المتجردة من ثيابها، وبدت سوأتها في شعره وصفا حسيا ينم عن إيروسية لم نعهدها في أدبنا العربي برمته.

 

المشهد العبثي الآخر في أدبنا العربي جاء على لسان عمر بن أبي ربيعة في عصر قريب من عصر النبوة، حيث طالع عمر نساء المدينة مطالعة الأزواج لزوجاتهم، وكان يتخفى في زي امرأة ليصل بسهولة إلى نساء بني عصره، ويتغزل فيهن غزلا فاحشا، فهو تام الأداة للغزل ومصاحبة الحسان، وقد تواترت الأنباء بمطارحاته الغرامية طوال أيام الشباب، كان ينتظر أيام الحج ، ليلقى الحسان القادمات من العراق والشام واليمن، أو يتعرض لهن في الطواف.