أحمد فرحات يكتب : شبيه زماننا

 

 

العافية لا ثمن لها غير الشكر، فهي تاج على بدن الغني الفقير، والمريض معذور، فلا ترهقه، فليس عليه حرج. ثلاث قليلهن كثير: النار والمرض، والفقر.

يقال: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة؛ وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيء مثل الموت فالفقر.

اعلم أن المريض والمرأة والمدير المتسلط يجب مهادنتهم. فلما حضرت عبد الملك الوفاة، قال: أصعدوني؛ فلما أُصعِدَ تسطحَ على فراشه، ثم قال: يا دنيا، ما أطيب ريحك! يا أهل العافية، لا تستقلوا شيئاً منها؛ حتى سمع ذلك منه خارج القصر.

 

قال ابن عباس: “ما آتى الله عزَّ وجل عبدًا عِلمًا إلَّا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب”، ثمَّ تَلا قوله عز وجل: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ )الكهف: 13(، وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ )مريم: 12(.

المرض تبسُّم المنايا، ونذير للجاهل، وبشير للعاقل، مصيبة لا يُعَزّى عليها المريض، قال عمرو بن قميئة:

رَمَتني بَناتُ الدَهرِ مِن حَيثُ لا أَرى

فَكَيفَ بِمَن يُرمى وَلَيسَ بِرام

فَلَو أَنَّها نَبلٌ إِذاً لَاِتَّقَيتُها

وَلَكِنَّما أُرمى بِغَيرِ سِهامِ

ومما يجلب الداء بلا دواء الإحساس بالتهميش، وإنكار أفضال المخلصين، وعلو قدر المجوفين؛ ففي الواقع المعيش تنقلب الموازين رأسا على عقب، وتنهار الأسس والمبادئ ليحل محلها الزيف والجهل والصلف، وارتقاء أنصاف المثقفين، وأشباه المتعلمين مناصب كبيرة في الميدان، وهم غير جديرين بالمنصب أو المكانة، وربما حاربوا المثقفين بالفعل واعتلوا عليهم، وأوغلوا صدورهم غلا وحقدا وحجبا لمآثرهم ومناقبهم.

إن تنامي الجهلاء وبروزهم فوق السطح غدت أمورا تؤرق النابهين وتشغل حيزا من تفكيرهم مما يزيد أوجاعهم وتقلبهم في أتون الحياة ولهيبها.

فيقول في ذلك فاروق شوشة قصيدة”شبيه زماننا” :

عندما تستدير الحياة حواليك

حاول قراءة كل العيون

التي تتطلع

ــ وهي تراجع تاريخك المنزوي

ثم تاريخك المتحقق ــ

تقفز بين السطور‏,‏

وبين المرائي

لتبصر وجهك

أفعى مسلحة بالنعومة

***

لو نظرت قليلا ليوم قريب سيأتي

لأدركت أن الخيوط التي شاغلتك

بأحلام مجدك

ليست تدوم

وأنك يوما ستصبح نجما

وشيك الأفول

ولشيخ العربية الكبير د. سعد مصلوح في ذلك قول:

يا أيها المغضي على حسك قلبا يذوب ودمعة تكف

شارفت ياء العمر فانبعثت ذِكرٌ يَجُرُ نظيمَهَا الأَلِفَ

ماذا ترى يجديك إن رجفت منك الخطا وتحير الهدف؟

فالشاعران يشتركان في الألم الناجم جراء امتلاك ذلك المجوف العاري من الإحساس بانقضاء العمر، وما يتبعه من ندم وحسرة على أفعاله الخرقاء، ويذكرانه بالنهاية المحتومة لكل حي، فهل يجديه عندئذ صلفه وغروره؟؟

الحياة عندما تكشف أقتعة الناس، تكشفهم بقسوة لدرجة أنك تحتاج وقتا طويلا لتستوعب بشاعة الوجه الحقيقي الذي تشاركت معه ذكرياتك بشتى أنواعها.

 

 

اقرأ أيضاً..اعرف نموذج حل نموذج امتحان العربي تانيه ثانوي 2024 الترم الأول

إليكم نماذج إجابات امتحان العربي أولى ثانوي 2024 محافظة الجيزة