أحمد فرحات يكتب :غيرة

 

منذ أصابتنا المدنية وبريقها الزائف فقد النساء الحياء، وفقد الرجال الغيرة على النساء، فالتبس بنا وَهَنٌ وتهاونٌ وضاعت النخوة والمروءة ، حتى في الأماكن الجغرافية التي عهدنا عليها الغيرة على العرض والشرف، ودخلتها المدنية الخادعة، فانساق الناس معها غير مبالين بالقيم والمبادئ التي اعتادوا عليها.

 

فعن أسماء بنت أبي بكر: – تزوَّجني الزُّبيرُ، وما له في الأرضِ مالٌ، ولا مملوكٌ غيرُ ناضحٍ، وغيرُ فرَسِه، قالت: فكُنْتُ أعلِفُ فرَسَه، وأكفيه مُؤنتَه وأسوسُه وأدُقُّ النَّوى لناضحِه، وأعلِفُه وأستقي الماءَ وأخرُزُ غَرْبَه ـ يعني الدَّلوَ ـ وأعجِنُ ولم أكُنْ أُحسِنُ أخبِزُ، فتخبِزُ لي جاراتٌ لي مِن الأنصارِ، وكُنَّ نسوةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنقُلُ النَّوى مِن أرضِ الزُّبيرِ الَّتي أقطَعه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على رأسي وهي ثُلُثا فَرسَخٍ قالت: فجِئْتُ يومًا والنَّوى على رأسي فلقيني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه نفرٌ مِن أصحابِه فدعاني ثمَّ قال: ( إِخْ إِخْ ) -أي أناخ دابته- لِيحمِلَني خلْفَه قالت: فاستحيَيْتُ أنْ أمشيَ مع الرِّجالِ.

 

وذكَرْتُ الزُّبيرَ وغَيرتَه، وكان أَغْيرَ النَّاسِ قال: فعرَف رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنِّي قد استحيَيْتُ فمضى.

فجِئْتُ الزُّبيرَ فقُلْتُ: لقيني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى رأسي النَّوى، ومعه نفرٌ مِن أصحابِه فأناخ لأركَبَ معه؛ فاستحيَيْتُ وعرَفْتُ غَيرتَكَ فقال: واللهِ لَحَمْلُكِ النَّوى كان أشدَّ عليَّ مِن ركوبِكِ معه قالت: حتَّى أرسَل إليَّ أبو بكرٍ بعدَ ذلك بخادمٍ فكفَتْني سياسةَ الفرَسِ فكأنَّما أعَتقتْني.

احترمت أسماء غيرة زوجها، وأبت أن تركب مع الرسول الكريم. الآن نفتقد الغيرة في الرجال، ونراهم أشباه رجال ولا رجال، وعقول ربات حجال، ونرى عدم الحياء من النساء، تنشر بالفلاتر، وتغري الرجال، وتبيع نفسها، وتفقد حياءها، فتضيع البيوت، وتخرب النفوس، زمن عجيب!

 

عجب عجب هذا عجب     بقرة تمشي ولها ذنبُ

لا تغضب يوما إن شُتمت  والناس إذا شُتموا غضبوا

 

يروى أن رجلاً مصريا كان يُتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماريا)، فقال -رسول الله صلى الله عليه وسلم- لعلي : اذهب فاضرب عنقه ، فأتاه علي رضي الله عنه ، فإذا هو في ركيّ – أي بئر –  يتبرّد فيها ، فقال له علي : أخرج ، فناوله يده فأخرجه؛ فإذا هو مجبوب ليس له ذَكَرٌ، فكفّ عليٌّ عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :  يا رسول الله ، إنه لمجبوب ما له ذكر.

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ الله يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ»  .

الغيرة غريزة طبيعية. فمتى دخلت قلب أحد خرجت الحقيقة من رأسه، وهي مسألة كرامة ومروءة ورجولة. والغيرة مقبرة أخرى. فقد تغار امرأة على رجل ولا ترضاه، تريده كالبيت الواقف لا لها ولا لسواها.

 

 

اقرأ أيضاً..“عمرك كام”.. كم عدد الأيام من 1993 إلى 2023؟

“احسب عمرك”.. كم عدد الأيام من 2005 إلى 2023؟