أحمد فرحات يكتب : طبقات النقاد

 

كما أن الشعراء طبقات فإن النقاد أيضا طبقات، فما يصلح أن يقال في الواحد منهم لا يصلح أن يقال في كلهم، إلا أن هناك خلة لا يكون الناقد ناقدا إذا تجرد منها، وهي خلة فطرية انطباعية لا يمكن تغافلها ولا أن تدير لها ظهرك، وهي قوة التمييز الفطرية، تلك القوة التي توجد لنفسها قواعد ولا توجدها القواعد والتي تبدع لنفسها مقاييس وموازين ولا تبتدعها المقاييس والموازين. فالناقد الذي ينقد حسب القواعد المعدة سلفا لشعراء آخرين التي وضعها سواه لا ينفع نفسه ولا منقوده ولا الأدب بشيء، إذ لو كانت لنا قواعد ثابتة لتمييز الجميل من الشنيع.

 

والصحيح من الفاسد لما كان من حاجة بنا إلى النقد والناقدين-كما ينص صاحب الغربال- بل كان من السهل على كل قارئ أن يأحذ تلك القواعد ويطبق عليها ما يقرؤه لكننا في حاجة إلى الناقدين لأن أذواق غالبية الناس منا مشوهة بخرافات رضعناها من ثدي أمسنا وترهات اقتبلناها من كف يومنا؛ فالناقد الذي يقدر أن ينتشلنا من خرافات أمسنا وترهات يومنا والذي يضع لنا اليوم محجة لندركها في الغد هو الرائد الذي سنتبعه والحادي الذي سنسير على حدوه .

 

والناقد مرشد لأنه كثيرا ما يردّ كاتبا مغرورا إلى صوابه، أو يهدي شاعرا ضالا إلى سبيله فكم من روائي عظيم توهم في طور من أطوار حياته أنه خلق للقريض. لكنه نظم ولم ينظم سوى كلام، إلى أن قيض الله له ناقدا رفع الغشاء عن عينيه فأراه أن الرواية مسرحه وليس البحور الشعرية.

 

وإذا ما استعرضنا آراء ميخائيل نعيمة النقدية على نقاد اليوم عامة، والدار خاصة تبين لنا أن هناك أسماء راسخة في النقد أمثال الدكاترة محمد غنيمي هلال وأحمد الحوفي وبدوي طبانة ومحمود الربيعي ورجاء جبر وأحمد هيكل وسعد مصلوح وعلي الجندي وغيرهم من الأفذاذ الذين أناروا الطرقات للمبدعين، وتركوا لنا أثارا خالدة نهتدي بها، وتسد فراغا في حياتنا الأدبية. ولا ينبغي أن ندير ظهرنا لمن امتلأت كروشهم كرها وحقدا ونفر منهم الطلاب والباحثون، ولم يتركوا لنا أثرا قيما بل تركوا في الحياة الأدبية وصمة عار عليهم وعلى كروشهم وعروشهم الرملية الخاوية، وأسماؤهم معروفة يعرفها القاصي والداني من طلابهم. خائنون للأمانة، تلفظهم الدار لفظا.

 

 

طالع أيضاً المزيد

رابط استعلام البحث عن منحة العمالة الغير منتظمة mom.manpower.gov.eg.. رابط وزارة القوى العاملة المصرية