“مارد القمقم”.. قصة قصيرة للكاتبة ميرفت البلتاجي

خرج من القمقم دخان، تبعه صوت جلجلة مارد يخرج من عينيه نار، من علياءه نظر لي باستحقار وخرجت الكلمات من فمه نار و شرار:
ـ لك عندي أمنيات ثلاث أنجزي ولا تتمهلي وبدون ثرثرات السيدات.

ألا يكفيني من بعد ظلام سجني ألاف السنوات أن من تخرجني من أسر قمقمي واحدة من بنات حواء.
ما بك وقد استولى على لسانك البلم، طفحت ملامحك بالذهول، لعلك لا تصدقين حظك ولكنه قدرك ومحكوم علي له بالمثول.

أسرعي وتمني أمنياتك لأعود بعدها لقمقي، لربما كنت أكثر حظًا في مرة خروجي القادمة.

ـ لم أفهم ما به ذلك المارد، هل هو متعصب لجنسه أم أن كرهه للنساء عامة ولي خاصة.

على كل حال لن أطيل القرار فكما تعلمون طلبات أي امرأة محصورة بين عدد قليل من الاختيارات.

فكرت وبحثت داخل تلافيف عقلي، ويا للعجب احترت في أمري، ماذا يا ترى سأطلب من أمنيات يحققها لي مارد القمقم العجول بلا صبر، وكأنني كنت بانتظاره أعد وأستعد بأمنياتي ليحققها لي حضرته المتعالي.

هنيهههات مرت عصرت فيها عقلي و أخيرًا تدبرت أمري، قلت له ببساطة:

أمنياتي ليست عندك أيها المارد المتعصب صاحب القمقم المتعالي، عد لقمقمك فلأمنياتك حقًا لا أبالي.

خيل لي أن عيونه خرجت من مقالعها، وفكه سقط أمام أقدامي وهو يسألني بارتباك وكأن ما سردته أبعد ما يكون عن مفهومه والإدراك:

ـ كيف تركلين نعمة قد تحولك لملكة زمانك أنت وأحفاد أحفادك، لو تمنيت شمسًا عن يمينك وقمرًا عن يسارك لما كلفني جهدًا توفيره ومعهم من الياقوت والذهب سبائك.

ابتسمت له ولا أدري ما صابه، فقد بدا الاهتمام فجأة على حضرة جنابه، وقلت له بكل كبرياء:

ـ والله لو أضفت على ما سبق كنوز الأرض ونجوم الليل أرصعها على ثيابي، مازلت لا أبالي، وليس لي من المطالب غير واحد، ولأنني أعلم أنك لن تستطيع رغم ما تملك من سحر وقوة تفوق إدراكي، وليس عليك حرج.
استشاط الدخان حول المارد من الغضب تغلي مراجله، دبدب في الأرض وقال بعجرفة خالية من الأدب:

ـ اطلبي وتمني وملعون أنا ومحرم علي راحة القمقم لو كان طلبك على قدراتي عالي.

ضحكت وأخبرته بما يدور في بالي.
ـ حكمت على نفسك فاسمعني ولا تقاطع.
أمنيتي أنني أريد أن أعرف ما هي الطبطبة، ماذا تعني كلمة طبطبة

هل يا ترى هي إحساس يصل لقلبي يرفرف بأمان من غير خوف واطمئنان؟ أو شعور بالجوع يقرصني، في أقصى حالات احتياجي؟

ربما هي مجرد لمسة من يده على كتفي، أم من صوته وهو ينادي بإسمي
حقًا لا أعرف غُلب غزالي.

هل الطبطبة فعل، أم مجرد اسم تخلو حروفه من المعاني؟

هذه الطبطبة هي أمنيتي، أن يمسك لسانه في ذروة غضبه ويخاف من نسمة هواء تطير خصلاتي، فيبدل الموضوع ويسألني بحب عشرة أيام الوجع، زعلانة، حقك عليا لا تبالي اعتبريها بعض من أضغاث أيامي .
هل تستطيع يا مارد أن تحقق أمنيتي؟ أعذرك لو كانت فوق قدرات سحرك العالي.

ما بك وقد استولى البلم على لسانك، طفحت ملامحك بالذهول؟

لعلك لا تصدق أمنيتي، إنها حظي في الدنيا، وقدري أن أكون أنثى تركل بكل استهانة ملك وتاج، وتتمنى مجرد طبطبة، اعتبرها مجرد أضغاث خيالي.

لماذا تعطيني القمقم ماذا أفعل به؟

ـ القمقم هو لكِ أولى، تقيمين فيه حتى أعثر لك على ما تمنيت، لن يطول بك الانتظار، سنة أو ألفًا أو عشرة، طلبك عزيز وغالي، سأبحث عنه حتى السماء السابعة وأنزل لآخر أرض، ستحصلين على أمنيتك ولو كانت أخر أعمالي.

ـ هل ستفعل كل هذا من أجلي حقًا، ستتخلى عن راحتك وعلى نفسك تقدمني، دموعي تتحدث عني، وأنا التي ظننتك ستتخلى وظهرك لي ستولي.
حسنًا سأوافق وأدخل قمقمك، وقبل أن أفعل سأختار أمنية أخرى من الثلاث وستنفذها بدون تقاعس وخلاف.
أتمنى أنت تكون أنت هو الذي يرفرف قلبي معه بأمان، وعندما يقرصني الجوع أشبع من نظرة حنان، وعندما تنادي بإسمي في عز غضبك ستهفو روحك لو نسمة طيرت خصلاتي وتصالحني وتهمس في أذني حقك عليا.
والآن حقق لي أمنيتي، يا مارد …يا مارد…مااااااردي!!!.

 

 

اقرأ أيضاً..قصة كمال التلفيتي أصغر جد في العالم

قصور الثقافة تشارك في معرض جامعتي الأزهر والمنصورة