أشرف محمد محسن: محاكمة الفضيلة

فى جو ملؤه الفساد والخلاعة لا وجود للفضيلة إلا بقدر ضئيل جدًا، الفضيلة متهمة بأنها تصادر حرية الأفراد، متهمة أنها قيد فى رقبة أصحابها، متهمة بأنها سبب فى فقرهم، وكذلك أنها سبب فى تخلفهم ورجعيتهم، إذا لابد لنا أن ندافع عنها، وأن نلتمس لها الحجج والبراهين، أن نكباتنا المجتمعية ليست بسبب التمسك بالفصيلة، لكن الحق أن هذه النكبات بسبب البعد عنها، لما زادت الرذائل وانقلبت المعايير وصار النجاح يقاس بمقدار ما يملك الإنسان من حطام الدنيا، وصار المكسب السهل القريب الهين يأت من خلال احتراف بعض الرذائل، علت تلك الصيحة على الفضائل وأصبحت الرذيلة هى الظاهرة على السطح، علا صوتها وخفت صوت الفضيلة.

إذا أصبحت الدياثة مذهبا، والعرى موضة، الزنا حب، والسكر حرية، والبلطجة رجولة، الغش والخيانة ذكاء، والرشوة هدية، والربا ضرورة اقتصادية، وانقلبت الأسماء والمعايير، عندئذ لابد من محاكمة الفضيلة وسؤالها: هل ما وصل إليه المجتمع من الفقر والعوز انت سبب فيه؟ وهل تخلفنا ورجعيتنا بسببك انت؟ وهل جهلنا وعدم تقدمنا بتمسكنا بك؟الخ من الأسئلة التى تتهم بها الفضيلة.

وبعد أن انقلبت الموازين الاجتماعية بل بعد أن ساد من حقه أن يظل فى أسفل الهرم الاجتماعى وقبع فى الأسفل من حقه أن يكون فى الأعلى، وأصبح الشرف كلمة قديمة عفا عليها الزمن، الغيرة على العرض شك وريبة، والأمانة زادت تكاليفها، وقل حاملوها، وصعب حملها على حاملها لكونه فردا واحدا، واختلطت المفاهيم بين الحق والواجب أعنى الحق الذى لى والواجب الذى على، هنا تصبح الأمانة ثقيلة ثقيلة على حاملها لا يطيقها ويتمنى لو انها لا يتحملها، فإذا أصبحت الأمانة مغرما فقليلا ما تؤدى

أصبح المال أهم المهمات وهو كل ما يسعى له الناس وعليه يبحثون، واصبحت قيمتك ما تملك منه، والمهم أن تمتلك المال لا تسأل من اين لك هذا، ولا من أى باب حققت هذا الربح، وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة، أنا أملك المال، هذا هو المهم، بل ويسود به صاحبة حتى وإن كان جاهلا لا يعلم شيئا خسيسا فى نفسه إلا أن معه المال، فصار بذلك معه العلم والشرف والرفعة

هذا واقع اختلطت فيه أفكارة، وتداخلت فيه معانيه، وسميت الأسماء بغير مسمياتها، وانفك ذلك الرباط الذى كان يربط المجتمع فى وقت ليس ببعيد، والرجوع إلى ذلك العهد يتطلب توحيد كافة الجهود وأن يؤدى أصحاب الأفكار والعقول ماعليهم ، فعلى الدولة حقوق تؤديها وتنظمها وتسعى إلى إصلاح ما انثلم من هذا المجتمع، وترقيع ما بلى منه، وعلى أهل الإصلاح كلهم كذلك حقوقا يؤدونها،فتتوحد جهود المساجد والمدارس والصحافة والإعلام، وما شئت من من أهل الإصلاح، وان تشدد الرقابة على الإنتاج الفردى فى السوشيال ميديا وفى الشارع…الخ

وهذا كما تعلم يحتاج إلى جهد كبير فى أول الأمر، فإذا تربى المجتمع على منظومة القيم كان هو رقيب نفسه
وحينئذ ترجع الأمور إلى نصابها فيفك قيد الفضيلة فبدل أن تكون محكومة تكون حاكمة وبدل أن يوجه لها الاتهام توجه هى الاتهام، وينعكس الحال مع الرذيلة.