أحمد فرحات يكتب :كن منصفا

 

كن منصفا حتى مع أعدائك فالتاريخ الأدبي يذكر لنا أبا محجن الثقفي. ففي القادسية التي انتصر فيها المسلمون انتصارا كبيرا، لقي المسلمون خلالها أهوالا وشدائد عظيمة، ولم تكن القادسية معركة واحدة، بل كانت عدة معارك متصلة، انتصر الفرس في واحدة منها، ففي قس الناطف حدثت واقعة الجسر، تلك الهزيمة الوحيدة التي لحقت بالمسلمين في جميع فتوحاتهم، إذ أخذتهم السيوف والغرق والفرار من كل جانب، وقد ترامت أنباء الهزيمة في بلاد العرب، ورن صداها في كل قلب، يقول حسان بن ثابت لما بلغته الكارثة بالمدينة(الطويل):

لَقَد عَظُمَت فينا الرَزِيَّةُ إِنَّنا   جِلادٌ عَلى رَيبِ الحَوادِثِ وَالدَهرِ

 

 

عَلى الجِسرِ يَومَ الجِسرِ لَهفي عَلَيهِم   فَيا لَهفَ نَفسي لِلمُصابِ عَلى الجِسرِ؟

 

وفي هذه المعركة يصف أبو مِحْجَن الثَّقَفِيّ القتال وشدته، ويرثي نفرا من رجال المسلمين الذين استشهدوا تحت أرجل الفيلة، فيقول(الطويل):

وما رِمتُ حتى خرَّقوا برِماحِهم   ثيابي وجادت بالدّماءِ الأباجلُ
وحتى رأيتُ مُهرَتي مُزوَئِرّةً   لدى الفيلِ يَدمَى نَحرُها والشواكلُ

 

وما رُحتُ حتَّى كُنتُ آخرَ رائحٍ   وَصُرِّعَ حولي الصالحون الأماثِلُ

 

ولأبي مِحْجَن الثَّقَفِيّ أيضا أبيات يصف فيها عدة السلاح في المعركة، وشدة بأس المقاتلين والمقاومين من الفرس، وفيها أيضا يقر الشاعر بشدة بأس أعدائه، وقوتهم، وعدم فرارهم من المعركة، وأن كلا الفريقين متشبث بموضعه لا يكاد يفارقه مهما كانت الأسباب، فهما معا ثابتان في الميدان ولم يتوخيا الهرب. فيقول (المنسرح):

لما رأينا خيلاً مُحَجَّلَةً   وَقَومَ بَغْيٍ في جَحْفَلٍ لجبِ

 

طِرْنَا إليهم بِكُلِّ سَلهبةٍ   وَكُلِّ صَافي الأديمِ كالذَّهَب

 

 

أما قُتَيْلَةُ بنتُ النَّضْرِ –وهي كافرة- فقد بلغها أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمر بقتل أبيها صبرا، فَقُتلَ، أدركت الإسلام وأسلمت، وكانت تحت عبد الله بن الحارث الأصغر ابن عبد شمس، وكانت شاعرة محسنة، وقبل أن يشرح الله صدرها للإسلام بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل أبيها،فقُتِلَ . وقد عرضت قتيلة بنت النضر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف، فاستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه،  فقالت مادحة معاتبة(الكامل):

أَمُحَمَّدٌ وَلأَنْتَ نجلُ نَجِيْبَةٍ   في قَوْمِهَا وَالفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا   مَنَّ الفَتَى وَهُوَ المغيظُ المحْنقُ

فبكى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حتى اخضلت لحيته وقال: لو بلغني شعرها قبل أن أقتله لعفوت عنه.

وكان النضر الذي قتله الرسول صلى الله عليه وسلم صبرا من المستهزئين بالرسول وبالإسلام، وكان يقرأ الكتب في أخبار العجم على العرب، ويقول محمد يأتيكم بأخبار عاد وثمود، وأنا آتيكم بأخبار القياصرة والأكاسرة، يريد بذلك القدح في نبوته.