أحمد فرحات: أميرة الشعراء

لأول مرة نرى ونسمع فوز امرأة بإمارة الشعر في العصر الحديث، وبعيدا عن مسألة تجنيس الشعر، وانقسامه إلى شعر ذكوري وآخر نسائي فإن المرأة لها أن تخوض التجربة، وتنافس الرجال، وتناطح قاماتهم بيتا ببيت وقافية بقافية وقصيدة بقصيدة، ولها أن تستشعر العظمة والريادة كما تشاء.

ولن أشغل نفسي بجدارة المسابقة من عدمها، ولا طريقة العرض والتعليق على النصوص، فإن فوز امرأة بإمارة الشعر لعام 2023م هو حدث جلل، يجب أن نفرد له في ديوان الشعر العربي المعاصر فصلا كاملا بالتأمل والنظر والدرس في نوعية النص أو مجموعة النصوص الفائزة عن طريقها شاعرة عربية، أيا كانت جنسيتها.

الشعر موهبة يهبها الرحمن من يشاء من عباده، رجلا كان أو امرأة، مصريا كان أم عراقيا أم سودانيا، فالهبات الربانية لا تعرف جنسا ولا مصرًا ولا دينًا.

وبعد فوز الشاعرة العمانية عائشة السيفي بإمارة الشعر لهذا العام، وفي الدورة العاشرة من البرنامج، المعروف باسم أمير الشعراء، قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأنا نسمع هسيسا هنا أو هناك، فكيف لامرأة أصلا أن تفوز باللقب المحجوز قبلا للذكور؟ وكيف تقول شاعرة: يدُ غضة تفرك الغيم قط يطير برجلين، بحر على تلة يجلس القرفصاء.

في قصيدة تحمل عنوان(أسئلة سقف الليل) وهو عنوان يشي بالكثير من الدلالات الغامضة لما يمكن أن يحدث من تساؤلات ليلية تؤرق صاحبها أرقا شديدا، كتلك التي أرقت صلاح عبد الصبور في مذكرات الملك عجيب بن الخصيب خشية ضياع ملكه فقال:

حين رأيت رأي العين طائرا برأس قرد، وحينما أراد أن يقول كلمة نهق، وكان له ذيل حمار، ضحكت حتى قضقضت ضلوع صدري، ثم غفوت، رأيت في المنام أنني أقود عربة، تجرها ست من المهاري، تجول بي الوديان ولصحاري، وفجأة تحولت خيولها قططا، تمشي إلى الوراء، وجهها، عيونها تبص لي شرار
ثم غدت عيونها نجوما، ومن هنا نلتمس طرف الخيط إذ كيف وظف عبد الصبور المنام مع حالته شديدة الخصوصية، وأنه يخشى ضياع ملكه، أو يخشى قتله من ولده أو الطامعين في الملك.

تمامًا عند عائشة السيفي التي باتت ترمق الليل وتتساءل أسئلة وجودية، فترى في ليلها ما ترى من الحقيقة التي نحتتها بيديها، كما تشتهي فيدها الضعيفة تكاد تفرك الغيم، والقط يطير، والبحر يجلس فوق تلة جلسة القرفصاء، وهي صورة مفزعة للإجابات التي جاءتها لأسئلة وجودية حاسمة. ولذا لا نرى انتقاصا في أبياتها، ففي الليل تحتشد الذكريات، وتحتد الألام، فيبوح الليل بأسراره العجائبية المفزعة نظرا لعجائبية الأشياء من حولها، مما يجعل البحر يجلس فوق تلة جلسة القرفصاء.