أحمد فرحات يكتب : دمشق

كانت قديما عاصمة الدولة الإسلامية أيام الأمويين، ومن قبل ذلك كانت عاصمة للفنون والآداب والثقافة والمعرفة، بها بساتين الغوطة، وجبل قاسيون، وربوة دمشق.
تغنى بها الشعراء العرب في كل العصور؛ لما تتمتع به من أصالة وعراقة عبر تاريخ طويل من الحضارة والفنون. يقول عنها محمود درويش:
في دمشق تسير السماء على الطرقات حافية حافية
فما حاجة الشعراء إلى الوحي والوزن والقافية؟
في دمشق ينام الغريب على ظله واقفا
مثل مئذنة في سرير الأبد
لا يحن إلى بلد أو أحد.
وبعيدا عن نثرية درويش يجيء سعيد عقل متغنيا بدمشق في إيهاب فيروز والأخوين الرحباني :
شام يا ذا السيف لم يغب *** يا كلام المجد في الكتب
قبلك التاريخ في ظلمة *** بعدك استولى على الشهب
ومن عباءة نزار قباني ونرجسيته تستلقي دمشق على ذراعه مثل أغنية، يفيض عليها من غرامياته وغزلياته ما يفيض المحسن على العبد الفقير، فبدت دمشق على يديه عارية من كل فضيلة.
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا *** فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية *** على ذراعي ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعا ما من امرأة*** أحببت إلا خلتها كذبا
فكل صفصافة حولتها امرأة *** وكل مئذنة رصعتها ذهبا
هذه دمشق عند أحفاد شوقي، أقصى أمانيهم أن يرصعوا مآذنها ذهبا، وكل أشجارها نساء محظيات، وهي عندهم أيضا نائمة في كتب الحضارة والتاريخ، فلا حياة فيها ولا حركة. أشبه بجميلة عرجاء، شوهوا بسمتها، وأذبلوا نضارتها. فإذا بشوقي ينفث فيها من روحه فتقوم عروسا تتجلى وتتحلى بالجمال والعظمة والقداسة. وإذا بكل بيت بل كل شطر بيت يصبح حكمة ومثلا يروى على السنين، ولعل هذا سر بقاء شعر شوقي خالدا
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا***وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
فكم من الشعر ينسى وقول شوقي لا يموت!
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ*** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
فهذا قول آخر لشوقي سوف نموت نحن ويموت أهل دمشق ويبقى شعر شوقي لا يموت!
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
لم تعد الأبيات السيارة مجردة من روح ودم فهي باقية بقاء الحياة.
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ*** وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
فكل بيت من أبيات شوقي في دمشق إكليل غار فوق رأس بنيها
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا*** وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
رحم الله شوقيا، كتب لنفسه ولأهل دمشق خلودا لا يموت!
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني *** وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
نصيحة شوقي لبني سورية قالها منذ زمن، وأنصحكم بها الآن لعل قوما غيركم يعيدون إليها بهاءها وجمالها وعزتها وشرفها المسلوب.
فيقول شوقي عن دمشق