“صُنع بكل حُب”

 

“نص نثري لنورالايمان عباس” 

 

 

قد يحدث أن أعد طعامًا ينالُ إعجاب كل من يتناوله، ثم يأتي أحدهم ويسألني عن الوصفة المُفّصَّلة وراء هذه اللذة، فأعطيه إيّاها بدقة متناهية متمنية له تجربة سعيدة ووجبة هنيئة..،
ولكنه يأتيني فيما بعد شاكيًا أن المذاق ليس مطابقًا لما ذاق.. وأن ثمة سرّ لوصفتي لا أشاركه مع أحد..!

فأقول له وأجزم أن الفارق الوحيد هو المشاعر!

 

أنا اؤمن أن لطهي الطعام ومذاقه صلة وثيقة بما أشعر أثناء تحضيره..، ولقد اعتدتُ أن أكثف مشاعر الحب أثناء صنع الطعام.. مستحضرة لحظات استقرار لقيمات مما أصنع في جوفِ من أُحب..، متمنية أن تبعث وجبتي شيئًا من الحبور والسلام في صدورهم قبل أن تسد جوع بطونهم.. أُخاطب أدوات الطهي أحيانًا وأرجوها أن تحمل البركة مع قطع اللحم، القُرب مع حبات الخضار، والمرح مع التوابل.. تتحول لدي لحظات تحضير وجبة من مهمة تُقضى تحت ضغط الوقت وحرارة الموقد إلى فاصل لتأليف قصة قصيرة جميع أبطالها سُعداء..

 

وهذا ما أرجوه دومًا من صديقاتي ربات المنزل وخاصة العاملات منهنّ ألّا يحولن مهمة تحضير الطعام لصغارهن وأزواجهن إلى مهمةٍ ثقيلة، الهدف هو إنجازها والتخلص منها في قائمة المهام..، فتشبع البطون ولكن تضيق الأنفس.. وكأنها وجبات صُنعت من الحجارة !

أعي جيدًا أنها مشقّة بالغة ولكن ماذا إن تخيلنا أنّ إعداد وجبة يمكن أن يكون بمثابة قُبلة تطبع على جباههم أو حُضن يُدفيء جوانبهم؟

وإن كان شعار جداتنا وأمهاتنا بورك في أعمارهن “أن الطبخ نفس” فلنكن أكثر وضوحًا ودقة ونقول “أن الطبخ مشاعر”
وليكن شعار كل وجبة تنزل من الموقد إلى الاطباق: “صُنع بكل حُب”